الأفـــق

نزيــف من الظلام



لاشيء يتغير !




بلنت يُدافع عن عرابي
بلنت فهم اللعبة
بلنت خسر اللعبة
بلنت ربح اللعبة






كلما نظرت للشمس وهي تشرق , شعرت بـ الآسى على مصاصي الدماء !








لا أعتقد أن هناك ما هو أبشع من هذا اليوم !
فلو أن مغناطيسية الأرض تغيرت , أو إنقضت على الأرض عاصفة شمسية , أو قررت الأطباق الطائرة خطف كل الطائرات المُحلقة ، فإن طائرة واحدة فقط ستنتطلق اليوم من موناكو .. ستنجو من كل هذا !

ليس هذا لـ عبقرية طائرات موناكو أو أنها تحمل تعويذة حظ صنعها معتوه , أو لـ براعة طياريها في التخلص من مطارديها الفضائيين , بل لأن والدي قادم على إحداها !!
مجرد إحساس بـ أن أياماً رائعة تنتظرني !

وكأن ساحر استخدم عصاً سحرية لـ يشغل يومي : أبحث عمن يُنظف الغرف العلوية , أتوسل للخادمة أن تأتي وتطبخ أي طعام منزلي , أستبدل كل كتاب في الغرفة بـ كتب دراسية , وأترك إحداها مفتوحاً على المكتب بعد أن أشوهه بـ القلم الرصاص , أتصل بـ عمتي لأحصل منها على أي أخبار عن جدتي وأعمامي .. تحسباً لأي سؤال بـ هذا الصدد , أخيراً إجيار نفسي على الإستيقاظ حتى يصل !

لا شيء الآن أسوأ من الإنتظار الذي يُجبرك على النظر للخلف , أتذكر تلك المرة التي كان يتحدث فيها مُفتخراً .. بـ أن أحد أجداده كان من قادة الثورة العُرابية ، وقد ثار وغضب كثيراً عندما انزلق لساني بدلاً من التظاهر بـ الإنبهار وقلت : يا للبشاعة .. كان أحد أجدادي ماسوني !

وحين انتبهت , وبعد أن هدأت ثورته .. تعجبت مما تفوهت به , وودت لو طلبت منه أن يُحدثني عنهم أكثر ، إلا أنني شعرت أن تحضير القهوة ومشاركته في مشاهدة أي فيلم يحتوي على الكثير من الصراخ .. سيكون أفضل !

أحياناً أعتقد أنه ربما ورث عن ذاك الجد رفيق عرابي هذا الميل السياسي .. الذي جعله قبل أعوام يُساهم في إنشاء حزب ليبرالي ، لم يلبث أن انسحب منه .. بعد أن اكتشف أن الحزب نسي أن يطبق الديموقراطية على نفسه .. بعد أن وقف على قدمه ، وأعتقد أن هذا كان آخر عهده بـ السياسة ..

بعد ساعات من الإنتظار وصل أخيراً , لـ حسن الحظ لم يكن يرغب بـ الثرثرة .. فـ أطلق سراحي سريعاً وتوجه إلى غرفته .. أردت أن أُنبهه بـ ألا يدخل الحمام العلوي ليلاً , لأن هناك ظل يد يهوى الزحف على الحائط في هذا الوقت ، ثم قررت أن من الأفضل له أن يتوهم أنه مُجرد ظل لأحد أشجار الحديقة لا أكثر ..
المهم فقط ألا يتذكر أن هذا الجانب خالي من الأشجار !

و الآن يجب ألا يمنعني شيء من النوم , تملكتني رغبة في مُطالعة الأخبار قليلاً قبل النوم ، لكن لم أكن مُستعداً لـ سماع نشرة أخبار تتحدث عن طائرة موناكو التي لم تكن بـ تلك العبقرية , أو أن قائدها لم يكن بـ تلك البراعة التي تسمح له بـ النجاة من مطارديه الفضائيين , وأن الطائرة كان ينتظرها مصير بشع .. فلا أحد بـ أي حال يُفضل أن يتساءل قبل النوم .. عن هذا الذي جاء لـ زيارته ليلاً !!












مجرد عطلة صيفية




بدأ الماسون دعوته
نشر الماسون دعوته
أغلق الماسون دفتره
رفع الماسون لافتة كنتب عليها : إحذروا الماسون !







اخدمني .. وسـ أعطيك العالم !









عندما تبدأ الامتحانات يتمنى لو تنتهي , وعندما تنتهي .. يتمنى لو لم تنتهي !

فراغ كبير يحيط به مع بدأ كل عطلة إلى أن يُقرر ما سيفعله ، وغالباً يكون قراره عدم فعل شيء، مع ذلك فـ الجلوس في بيت فارغ .. أمر لا يطاق إن لم يكن لديك ما يشغلك ، كان يسمع دائماً أن الآباء من الأرض يُسافرون مع أولادهم في العطلات ، لكن على الأغلب أن والداه قدما من المريخ ، دائماً قبل كل عطلة يسمع نفس الكلمات : أنت أصبحت كبير .. يمكنك أن تبقى إلى أن نعود .. ثلاثة اشهر فقط .. إنتبه على نفسك .. سنتصل بك كل يوم !
بـ الفعل لا شيء في العام أسوأ من أن تكون إبناً للمريخيين !

خرج من البيت دون تفكير , كاد يسلك الطريق إلى النادي ، لكنه شعر بـ أنه أكثر الأماكن مللاً على الإطلاق ، الناس هناك تذهب وهي تعرف ما ستفعل .. لذا مشاهدتهم ليس فيها أية تسلية ، كما أنها ستكون مشكلة لو وجده أشرف , سيقترب منه وهو يلهث كـ العادة ويقول : ها.. تعالى لـ نلعب !

لكن اللعب معهم ممل جداً , فـ الملعب أكبر من عددهم بـ خمس مرات على الأقل ، لذا فكل ما يفعلونه هو ركل الكرة بعيداً والركض خلفها ، والمشكلة حين تبتعد الكرة كثيراً .. ويختلفون من سيذهب لإحضارها، هم بـ الفعل أفشل مجموعة تمارس الرياضة !

على الأقل كان يشعر بـ السعادة لأنه افترق عنهم في الجامعة ، فلم يعد يرهم منذ عام إلا في النادي , لكن آخر ما يرغب فيه الآن هو رؤيتهم ..


قادته قدماه إلى أبشع حديقة عامة على الكوكب كله , دائماً يراها كأنها كرنفال يجد فيها كل الأنواع من البشر .. بحث كثيراً عن مكان هادئ يجلس فيه , فـ إما أماكن مشغولة , أو أماكن شاغرة بـ القرب من شباب مختلط يتمازحون ..
عجيب أمر العرب .. إن كانوا على طريق الشيطان لم يسبقهم أحد فيه، وإن ساروا إلى الله كانوا الأسبق إليه ، وكأنه أريد لهم إما أن يكونوا أشرف أو أحط جنس !

أخيراً وجد مقعداً يمكن أن يجلس عليه , سألته بائعة الشاي إن كان يرغب بـ كوب ، وافق حتى لا يُحرجها .. سريعاً أحضرت له كوباً شبه بارد ، أعطاها ثمنه .. وما إن التفتت حتى سكبه خلف المقعد ثم وضع الكوب بـ جانبه ، وكأنها كانت تعرف هذا التفتت بسرعة وأخذت الكوب من جانبه .. دون أن تنظر إليه !

على مرمى بصره كان هناك طفل مشرد يفترش الأرض وينام بـ عمق ، مرت طفلة أخرى مشردة تبيع شيئاً ما لن يعرفه أبداً ، في الواقع لا أحد يعرفه .. فقط من مميزاته أنه يُباع بـ أي سعر ، ومع ذلك لا يُمكن لأحد الحصول عليه ، دائماً تقترب منك وهي تحمل صندوق غريب .. وتسألك أن تشتري ، تدفع لها أي عملة .. فـ تأخذها الفتاة وتنصرف ..


اقتربت منه فأعطاها قطعة نقدية .. أخذتها وانصرفت دون أن تُعطيه ما اشتراه ، إلى اليوم اشترى هذا الشيء قرابة ثلاثين مرة , ولم يعرف إلى الآن إن كان شراء هذا الشيء .. نوع من الصدقة أم الاستغفال !










في كل ليلة أراهم




في كل ليلة شبح يتكلم
وأشباح تُنصت





حكاية من تراث الأزقة !









كانت تخاف من الأشباح ..

وكانت جدتها تعيش في زقاق يُطل على ساحة .. يهوى الأشباح قضاء أمسيتهم فيها ..

وكان والدها ذاهبان للحج .. وكانت تعرف أنهما سيُرسلاها إلى جدتها ..

كانت تُحب جدتها .. وتكره أن تذهب إليها , لكن ليس بيدها شيء لـ تفعله ..

وفي أول ليلة عند جدتها نامت وهي ترتجف ، ووضعت الوسادة فوق رأسها .. حتى لا تسمع صوت الأشباح في الساحة ..

وفي اليوم الثاني .. فكرت أن تستمع بـ إنصات إلى الأشباح ..

وفي اليوم الثالث , شعرت أن ما يقولوه ليس مُخيفاً كما اعتقدت ..

وفي اليوم الرابع تجرأت وفتحت النافذة وأخذت تراقبهم بـ إهتمام ..

في البداية كان الضباب كثيفًا , ثم تلاشى تدريجيًا .. وبدأوا بـ الظهور ..

وفي ساحة الأشباح ..
وقف شبح رجل , كان في ظاهره عظيماً , يُسمع لـ كلامه ..
تعلقت أعين الأشباح الأخرى به إنبهاراً , وهو يتكلم بلا إنقطاع .. أخذ نفساً عميقاً وتطلعت جماهير الاشباح إليه بـ إهتمام مُنتظرة كلمته التالية ، ولم يُقصر هو تجاه مُعجبيه .. فقال بعد أن ملَ لـ سنوات طويلة من إنبهارهم بـ تظاهره ، و قرر أن الوقت قد حان لـ ينبهروا بـ حقيقة ما يعتقده :

" رأيي كده إن الإسلام ده مش تمام أوي , يعني لو .. " ..

وقفت الكلمات في حلقه , وقد حل الغضب بـ جماهير الاشباح محل الإنبهار .. وارتفعت صيحات الغضب ، بينما رجال الأمن الأشباح يُحاولون منع بعض أشباح الأشخاص من الإقتراب من الرجل الشبح , الذي تراجع للخلف خطوة وهو يقول بـ شيء من الإرتباك .. ويداه تكاد تكون في وضع الإستسلام :

" بس أنا بقول إن لا إله إلا الله مُحمد رسول الله " ..


التفتت الأعين كلها إلى بـ ما بدا للجماهير .. شبح شيخ جليل , فتقدم شبح شيخ الإرجاء الكبير بخطى ثابته وقال بعد أن أشار للرجل :

" صح إنت مُسلم , إيمانك كـ إيمان جبريل عليه السلام " !!


عندها تفرق جمع الأشباح , وكل منهم يُحدث نفسه وهو تارك للصلاة : إن لم أكن أنا في الجنة .. فمن سيدخلها !



واستمر الأمر كل ليلة .. إلى أن عاد والدها , وغادرت منزل جدتها إلى بيتها ..

ولم تعد الأشباح تُخيفها بعد اليوم ، وأصبحت تنام دون أن تُشعل النور في غرفتها ..
ولم تعد تُحافظ على الصلاة في مواعيدها , بل أحياناً تتركها !













سفاحة تكساس




ثائرة ..
متمردة ..

غاضبة ..







عائلة افتراضية !









فتحت الباب الخارجي الكئيب .. وعبرت خارج البيت الكئيب ، لأجد أمامي الحديقة الكئيبة .. شعرت بـ كآبة شديدة تملئني ، فكل ما حولي كئيب .. حتى الغروب !

.

هذه هي بـ اختصار .. طريقة حياتي مع جدتي الافتراضية ، وهي افتراضية .. لأنها تبنت والدتي حين تخلت عنها والدتها الحقيقية , ومات والدها الحقيقي حين تخلت عنه زوجته الحقيقية , لـ تتزوج من نصاب تخلت عنه أمه الحقيقية وهو صغير .. فربته أم افتراضية تعلمت النصب من والدها الحقيقي , والذي مات حسرة حين تمكن والدها الافتراضي من النصب على والدها الحقيقي .. ثم قرر تبنيها عندما شعر بـ الذنب !

أما جدتي الحقيقية فقد تخلى عنها ذاك النصاب الذي تركت جدي الحقيقي لأجله ، والآن أغرت أمي بـ المال لـ تذهب لـ زيارتها ، وبكل بساطة يُمكنني أن أؤكد لـ نفسي أن أمي الحقيقية تخلت عني ولن تعود، وهذا يُرجح أنني كنت ابناً افتراضياً لها على الأغلب !
هه .. تباً لـ هؤلاء القوم الذين وجدت نفسي بينهم !


والآن أنا وحدي مع جدتي الافتراضية التي لا يعرف أحد من أين جاءت , فلا أهل يزوروها أو أصدقاء يسألون عنها ، مجرد جدة غريبة الأطوار تملك استراحة على الطريق السريع وتعيش فيها , وتبتز المستأجرين الصغار الذين يؤجرون متاجرها ، والمكان كله في الليل شبيه بـ المكان الذي كان يعيش فيه سفاح تكساس !

أما أنا فقد كان تعذيبي تسليتها الأهم بعد التلفاز : فـ باستثناء بخلها الذي تسبب في هروب كل خادمة تُحضرها , كانت تجبرني كل إفطار على تناول ثلاث قطع صغيرة من الكعك مع كوب شاي بـ الليمون ، وفي المساء على الأغلب تقدم قطعة لحم باردة مقلية مع بيضة , وإن كنت محظوظاً تستبدل البيض بـ أرز مسلوق لـ درجة تحوله إلى عجين !

والحلوى مرة واحدة في الاسبوع .. وتكون الكارثة إن أرادت هي أن تصنعها بـ نفسها ، إضافة إلى كل هذا فليس لي أي مصروف ، ولأننا في مكان شبه منعزل .. فلا يوجد أحد أصادقه أومكان أذهب إليه .. هذا إذا استثنينا إمكانية البحث ليلاً عن سفاح تكساس والمرح معه !

كان التعذيب والملل قد جعلاني أقرر ترك البيت , واحتراف أي عمل قذر .. إلى أن أتحول إلى زعيم شرير لـ عصابة تقوم بـ أي عمل يؤذي الآخرين ، وفي مساء هذا اليوم , كانت جدتي تجلس في غرفة المعيشة .. تشاهد التلفاز ، وكانت تتابع حالة الطقس بانتباه شديد ، فكرت أنها ربما مازالت تظن أن مسلسلها لم ينتهي بعد !

تركتها تتابع هذا المسلسل الوهمي وذهبت إلى غرفة مكتبها لأبحث عن أي شيء قد يُفيدني أثناء رحلتي على طريق الإجرام ، كانت الكتب تملئ المكان , وكنت على ثقة أن كتبها لا تحتوي إلا على التعاويذ ، فـ شعرت بـ رغبة كبيرة في أن ألقي عليها تعويذة تعذيب قبل أن أتركها ، لكن ما قرأته في ذلك اليوم .. جعلني بـ بساطة .. أندهش أكثر من اللازم ، وأقرر الفرار فعلاً !

ومن ركام الكتب والأوراق والصحف التي عثرت عليها , علمت أن جدتي الافتراضية كانت صحفية ، وواضح أنها كانت مثيرة للجدل لـ درجة أن ما كُتب عنها يبدوا لي أكبر مما كتبته هي ، كانت تُلقب بـ المتمردة .. وأجياناً بـ الثائرة ، قضيتها الوحيدة كانت تحويل المرأة إلى رجل , كان هذا طبيعي فقد جاءت في عصر لم يعد للحجاب قضية بعد زواله !

ولأجل هذا التحويل كانت كل مقالاتها السخيفة تدور حول : تعدد أزواج المرأة , تولي المرأة حكم للبلاد , ميراث المرأة المساوي للرجل , إنشاء آندية كرة قدم للمرأة ..
إلى آخر هذه الأشياء .. وكما هو واضح .. مجرد مقالات تصلح للتسلية أكثر من أي شيء آخر !


لكن أخطر ما قرأت عنها هو كتيب صغير يروي قصة حياتها كتبها أحدهم ، وقد قدم له صاحبه بـ قوله في وصف جدته الافتراضية : فلو وزع قبحها على العالم , لما بقيّ في العالم شيء يصلح أن يُقال عنه جميل !
فوجدت نفسي أردد خلفه وأنا سعيد بـ أن هناك من يُشاركني رأيي : صدقت !!


أما حياتها نفسها فقد كانت مخيفة ، فـ والدها تخلى عن والدتها ، ثم تخلت هي ايضاً عن والدتها أثناء دراستها في الجامعة وذهبت للعيش مع صديق لها ، فتبرأت منها والدتها ثم ماتت ، وبعدها بـ أشهر تخلى عنها صديقها فـ قتلته !


سُجنت عشر سنوات ثم خرجت واحترفت العمل الصحفي ، وبسبب أفكارها تلقفتها منظمات حقوق المرأة وجمعيات التنصير ، وأصبحت نجمة المؤتمرات التي تُدافع عن المرأة , وكان طريقها الوحيد في هذا السبيل هو مهاجمة الإسلام .. لـ تحقيق هدفي عنصري التمويل بـ ضربة واحدة ..


وخاتمة الكتاب تتحدث عن جريمة قتل أخرى ، قتلت فيها رجل أعمال في أحد الحفلات .. بعد شجار وصفها فيه بأنها قرد بـ شعر أبيض مستعار ، وسجنت بـ سببها عشر سنوات أخرى !


والآن وبعد أن عرفت أنه لا داعي للبحث عن سفاح تكساس , لأنني بـ الفعل أحيا معه , كان عليّ أن أذهب سريعاً حتى لا أتسبب في زيارتها للسجن مرة أخرى !












رحلة مملة




سليم الثالث برهن على يقظة رعيته
سليم الثالث أثبت هذيان رعيته
سليم الثالث دُفن ومعه السر







ليست كل بطة سوداء تتحول إلى بجعة !










كان يوماً من تلك الأيام المزعجة , تنام ثم تستيقظ لـ تجد نفسها في سيارة , هواء الصباح البارد يضرب وجهها .. وأثر بكاء ليلة الأمس يُزيد من رغبتها في النوم ..

تستيقظ مرة أخرى لـ تكتشف أنها في المطار على أحد المقاعد .. يُناولها والدها شيئاً ما لـ تأكله ، لكن رغبتها في القيء تجعلها ترميه على المقعد بـ جانبها ..

تصحو من جديد لـ تنتبه على أنها في طائرة .. مكانها المُفضل للقئ ، تُحاول أن تتماسك قليلاً حتى لا تتحول الرحلة من بدايتها إلى جحيم ، لكن شعورها بـ الغضب من والدها يجعلها تتحمس لـ فعل أي شيء يُضايقه ، دقائق قليلة .. وأخذت تُخرج كل ما بداخلها !

الآن يُمكنها أن تستمتع بـ حالة الإحراج والإرتباك التي أصابت والدها .. وهو يُحاول بـ فشل أن يلعب دور الأم ..
تنتهي الضجة التي أحدثتها فـ تستسلم مرة أخرى للنوم !

مجدداً تستيقظ داخل سيارة الأجرة ، الآن بدأت تشعر بـ القلق , وتتساءل عن هذا المكان الذي ينوي والدها أن يتخلص منها فيه ..
تباً لكل شيء حين تُصبح في سن يجعلك بـ حاجة للآخرين , بينما الظروف تُجبر الآخرين على التخلي عنك !


نظرت من النافذة , كانت السيارة الآن تعبر داخل إحدى القرى الريفية ، كادت تصرخ معترضة حين أدركت أنها في طريقها إلى جدة والدها !
إزداد غضبها لكنها أصرت على عدم الكلام , تمنت فقط لو تخطتفها إحدى العصابات وتحولها إلى هيت وومان .. فلا تعتقد أن هناك من لديه رغبة تفوق رغبتها في القضاء على العالم هذا اليوم ..

قال والدها أشياء كثيرة لكنها لم تكن مهتمة بـ الإنصات , كانت مشغولة بـ التفكير في أشهر الصيف الثلاثة التى ستقضيها بـ رفقة أكبر عجوز في العالم ..

بـ الفعل .. عالَم ممل أكثر من اللازم !














مذكرات متفرنج




دعني أمشي تحت شمس الصحراء وأصف كرات الثلج
دعني أقف أمام المآذن وأحكي عن أبراج الكنائس

فقط دعني ولا تقل متفرنج






جدي صُنع في لندرة وباريز!










منذ سنوات لا تذكرها توفيّ والدها , ومنذ أشهر توفيت والدتها ، ومنذ أسابيع انتقلت للعيش مع جدها !
للآسف لم تكن تملك رفاهية الاختيار , فلو فكرت في السفر لأقارب والدتها .. لـ ربما حولوها إلى كوزيت ألفين وتسعة ، وتروي الأجيال القادمة قصتها قائلة : كوزيت اليتيمة .. حكاية من التراث النرويجي !


أما جدها فهو بـ الفعل رائع .. لم يتزوج إلا واحدة , ولم يُنجب إلا واحد هو والدها ، وبالتالي صار عدد أعمامها وعماتها .. يساوي صفر كبير !

على كل حال , لا تشعر بـ أن حياتها الجديدة صعبة ، فـ جدها رجل طيب إذا استثنت عاداته البشعة .. كـ شرب الخمر بدلاً من الماء ، وتناول وجبة طعام واحدة في اليوم .. - وإن كانت تعتقد أن عودتها ثلاثة عقود للوراء كفيلة بـ تغيير رأيها في طيبته - ، تقريباً ليس لديه أي جار لأن بيته شبه منعزل ، أحياناً يزوره بعض أصدقائه القدامى , وهم مجموعة من العجزة المعاتيه كما تراهم ، فـ كلهم يرتدي القبعة .. ولا يتحدثون إلا عن شعر بودلير وكبلنج ، ويشربون شاي الخامسة من دون سكر ، والحديث عن الذكريات بينهم لا يتم إلا بـ الفرنسية !

لم ترهم إلا مرتين , في المرة الأولى جلست كـ تمثال الفشل القومي تتأملهم , لم يلفت نظرها إلا المرأة الشبح ، بـ شعرها الأبيض وملابسها الوردية ، وقد ظلت تعتقد بـ أنها شبح يتبع هؤلاء العجائز ولا يراها غيرها , إلى أن تكلمت فـ أنصتوا لها ، أما كلامها فكان تباهياً بـ أمور سخيفة مثل حفلة تنكرية راقصت فيها ثري معروف ، وأول فريق سلة نسائي وكانت هي عضوة فيه ، وأشياء أخرى مثشابهة لم تفهم أغلبها بسبب تلك الفرنسية التي تتحدث بها !

ثم حاولت أن تتكلم معها , فابتسمت كـ الشيطان وأشارت إلى رأسها وهي تقول تعليقاً ما عن حجابها لم تكمله لأن جدها نظر إليها بحزم .. فآثرت الصمت !

تمنت لو أن العفريتة العجوز قد أكملت تعليقها ، فقد كان لديها كل الحماسة لـ ترد لها سخرياتها عشرة أضعاف ..
من البداية شعرت أن الحجاب يفعل بها مايفعله الصليب مع مصاصي الدماء .. في الأفلام المبتذلة التي لا يُشاهدها أحد !


أما سهرتهم فقد بدأت فعلاً بعد وصول شاعرهم المفوه ، الذي قدم لهم شعره بـ قوله : خذوه مني خيالاً راقياً سامياً, بل نعمة سابغة .. تزيد أدبكم , وتُنير أذهانكم , وتُطرب قلوبكم , وتُمتع أسماعكم , ولم يتمتع بـ مثلها أجدادكم ..

ثم أتحفهم بـ عبارات مثل : الموت البنفسجي المنقط ، والزهرة الفيلسوفة على جبل الحكمة، وأمعاء القطة المرنة ، وأنياب الكلب المستذئب ، وتعرقل الشيطان في نسيج عنكبوته !

إلى أن انتهت السهرة أخيراً ..


المرة الثانية انسحبت من الجلوس معهم , وقررت الا تظهر أمامهم مرة أخرى ، وذلك حين انحنى أحد العجزة أمامها يُريد تقبيل يدها !


عرفت أنها أخطأت من البداية حين اظهرت وجهها أمامهم بـ إعتبارهم مجموعة من العجائز ، كانت تعتقد دائماً أن كشف الوجه يعني أن الفتاة ليس لديها مشكلة في أن يتحدث إليها أي شخص .. بسبب أو من دون سبب ، وإذا كشفت عن رأسها .. فلا مانع من أن تُصادق الآخرين ، وحين تصبح ملابسها تبعاً لـ موضة فصول السنة .. فهي مؤهلة لأن تصير مغنية أو راقصة أو أي شيء !













لا تنظر إليّ




ذهب الطهطاوي جاء التونسي
ذهب المتأفغن جاء عبده
ذهب المراغي جاء الجوهري
فقط لوثر سيبقى طويلاً






إلى أن يأتي ذلك اليوم .. أنا لست هنا !











لا يُمكن لـ طالب أن يُحب المراسم .. إلا لو كان معتوهاً !

لم تستطع أبداً أن تغير هذا الرأي ، فارق كبير بين قاعة محاضرات لا يتكلم فيها إلا شخص واحد , ويمكنها أن تتسلل داخلها من الباب الخلفي متى تأخرت , ومرسم غبي مزعج .. كل الناس تتكلم فيه كأنه مزاد علني , وتجلس فيه مدة ست ساعات تتظاهر بـ الرسم , ثم تمسح ما تظاهرت بـ أنها رسمته !

والأسوأ من كل هذا أن يتطفل المعيدين على لوحاتها الواحد تلو الآخر .. وكل منهم يتظاهر بـ أنه يقوم بـ واجبه في التدريس !

حسناً , ربما كان بـ استطاعتها تحمل كل هذا ، لولا أنها سمعت طرفاً من حديث يدور بين معيدين , فتح أمامها باباً لم تستطع أن تغلقه .. فضلاً عن أنه جعلها لا تطيق رؤية أي معيد أمامها إلا وشعرت بـ رغبة ملحة في التقيؤ !

وبعد فترة قصيرة , لم تعد ترى أي منهم إلا مجرد شخص معتوه عته مضاعف , يجعله يعتقد نفسه رائع بعد أن أصبح مُعيداً , ومن حقه الآن أن يبحث عن زوجة المستقبل بين الطالبات .. اللواتي يُفترض أن ينبهرن بـ عبقريته الفذة , وينظرن له كـ أنه مايكل آنجلو !
غير أنها مع الآسف لم تستطيع أن ترى هذا الآنجلو فيهم إلا سلحفاة سخيفة تختبئ داخل بالوعة عمومية ..

بعد شهر لم تعد تُطيق أن ينظر إليها أحدهم , وأصبحت تُدير وجهها بعيداً كلما لمحت أي معيد ، لم تتخيل أبداً فكرة أن ينظر إليها أحدهم نظرة لا تستطيع أن تقنع نفسها أنها مجرد نظرة عابرة ، وفوق هذا .. لم تتصور أبداً يوماً ما أن يكون زوجها شخص كان يستيقظ مبكراً لـ مدة خمس سنوات كاملة , لا يتخلف عن أي محاضرة .. يكتب كل ما يُقال , ويسأل أسئلة غبية حتى يُرضي الدكتور عنه ..

في كل الأحوال ستكون الحياة مع سلحفاة حقيقية أكثر تسلية من زوج يحمل هذا العقل الرتيب !


مصيبة هؤلاء أن أغلبهم يأتي من الريف , وقد زرع ساحر القرية في عقله أن أهم ما في الحياة هو العلم ، ومع ذلك – على الرغم من تفوق هذه النوعية في هذا المسمى علم - لن تجده يجيد قراءة سورة قصيرة من المصحف بلا أخطاء ليست قصيرة !!

بعضهم يحالفه الحظ .. ويكتشف أنه أضاع حياته في هراء , فـ فيستدرك ما ضاع منه ، وأغلبهم يبقى كما هو .. أو يتعمق في هذه التفاهات التي بدأها إلى النهاية ، والمثير للإشمئزاز أن هؤلاء المعيدين من هذا النوع الأخير !

لم تعرف سبب هذا الشعور المضاعف بـ الضيق , كانت تجلس الآن في المرسم .. تحاول أن تضع أي شيء على لوحتها البيضاء ، لكن شعوراً ما بـ الاشمئزاز جعلها لا تتحمل رفع القلم ، أراحت نفسها واستبدلت اللوحة الفارغة بـ لوحة الاسبوع الماضي .. دقائق قليلة وانقطع التيار , حدثت جلبة كـ العادة .. لن تفهم أبداً لماذا تتكرر ردود الفعل دائماً في كل المواقف المتشابهة !


ازدادت حرارة الجو , تحركت أخيراً وفتحت النافذة .. نظرت حولها , كان الجميع يتأفف وهو يرسم .. أخرجت منديلاً ومسحت وجهها , هنا انتبهت على شيء فـ التفتت خلفها .. كانت تلك الفتاة التي نسيت اسمها ترسم بـ هدوء , على الرغم من ملابسها التي تخفي حتى وجهها ، شعور غريب انتابها وهي تتأملها ..

لابد أنها أكثر من يُعاني من الحر ، والأكيد أنها تُعاني أكثر على البوابة يومياً ، لا .. لم تشعر بـ أن هذا الوصف دقيق , فـ المعاناة الحقيقية أن تفعل ما يُجبرك المجتمع على فعله .. وأنت متيقن من أن الشيطان قد أحكم قبضته عليه في هذا الزمن الكئيب ، غريب أن تنتبه فجأة على كل هذا ..

وضعت يدها على جبهتها , وحاولت أن تُزيح خصلات شعرها وتخفيها ، لكن هذا الذي تضعه على رأسها لم يكن يُساعد .. فقط شعرت بـ أن محاولتها سخيفة ..
توقفت فجأة حين رأت أحد المعيدين يعبر من أمام تلك الفتاة .. دون أن يُعطيها أية ملاحظة على ما تفعل , أو حتى ينظر إليها !

تسارعت نبضات قلبها , وكأن السيد عمليق ضربها بـ مطرقة على رأسها .. فرجع إليها جزءاً من ذاكرة مفقودة ، عاد التيار مرة أخرى .. سمعت أحد المعيدين يقول ملاحظة سخيفة وهو يقف أمام لوحتها ، أحست بـ أنه ينظر إليها وينتظر منها أن تجيبه .. تجاهلته وهي تُغلق حقيبة يدها ، ثم التفتت خارجة من المرسم !

كادت تتصل بـ السائق ثم تذكرت أنه الموعد الذي يصطحب فيه أخاها من المدرسة , كما أن العودة إلى البيت سيراً على الأقدام كانت تُناسبها هذا اليوم ، عبرت البوابة إلى الخارج .. توقفت لـ لحظات وهي تلقي نظرة على كليتها ، أحست أنها لن تراها مرة أخرى .. قد يُعارض والدها كثيراً , لكن يستحيل أن يُجبرها على التعلم ، وقد يُعارض أكثر اخفاءها لـ وجهها .. لكن يصعب عليه أن يفرض عليها ما ترتديه !


على العموم ليست هذه هي النهاية , فـ عندما ينتبه المجتمع على أن الحضارة ليست أن تندس الفتاة بين الشباب وتتحمل تحديقهم بها .. فربما تعود مرة أخرى ..

وكأن الشيطان يحتاج لـ من يُنبهه ، وعلى هذا فلا ضرر في أن يذهبوا إلى الجحيم دون صحبتها !














عالمية بلا ظل





جاءت الأرواح بـ دين جديد
قال الدين الجديد لا تؤمنوا بـ الذي لا يُرى







هناك دائماً حقيقة واحدة , وهي أن ترمي كل الحقائق جانباً .. وتتحول إلى معتوه !









أصبحت عادة لديه , أن يكره يومه الأول في أي مكان جديد , كان أول يوم في الثانوية أبشع أيام حياته ، وبمناسبة أن اليوم أول يوم له في الجامعة .. فـ لا يشك أنه سيكون الأبشع على الاطلاق !

يكفي شعوره بـ أنه الوحيد الذي جاء الجامعة اليوم وهو لا يعرف فيها إلا نفسه !

على كل .. مهما كانت فـ لن تكون أسوأ من الثانوية ، على الأقل لن يكون مضطراً للجلوس بـ القرب من أشخاص معينين .. ويكون مجبراً على الكلام معهم .. فالأمور تبدوا هنا للوهلة الأولى أكثر حرية ، ولن يفرض عليه أحد صداقته ، سيستمع إلى المحاضرات .. ثم يعود إلى بيته ولن يزعجه أحد ..

أمال القبعة على وجهه , فقد كان هذا يُشعره بـ أنه معزول عن الآخرين ، ثم دخل إلى قاعة المحاضرات , انتابه في البداية نفس الشعور الذي ينتاب طالب الجامعة المبتدئ .. فكل شيء إما كبير وإما كثير ، والأسوأ أن الازعاج هنا مُضاعف عشر مرات !

في البداية وقع في حيرة , فالجلوس في الأمام يعني أن يحشر نفسه بين المتحمسين أصحاب العيون الأربعة ، والجلوس في الخلف مرتفع أكثر من اللازم وسيُشعره أنه قرد ، في النهاية قرر أن قرد في مكان هادئ .. هو أفضل خيار لليوم الأول ..

لكن عندما دخل أستاذ المادة , كان أول ما فعله .. أن سأله عن سبب جلوسه في الخلف هكذا وحيداً ، كان هذا أبشع شيء يُمكن أن يحدث في أول يوم .. فـ الجميع التفتوا إليه ، تجاهلهم جميعاً .. ودون أن يتكلم .. تقدم للأمام قليلاً وجلس بـ جوار أحدهم !

وبعد إنتهاء المحاضرة , سأله الذي بجلس بـ جانبه عن اسمه ، فاكتفى بـ أن قال له : لا داعي , فأنا أكره أن يُناديني أحد !
اعتبرها الآخر مزحه فضحك , إلا أنه تركه وانصرف ..

كانت هناك محاضرة أخرى , لكنه قرر ألا يحضرها .. في الواقع كان قراره من البداية أنه لن يحضر إلا محاضرة واحدة يومياً !
في طريقه إلى خارج , لفت انتباهه حائط الإعلانات الممتلئ ، اقترب منه .. كانت الإعلانات مليئة بـ دعوات الإنضمام إلى كثير من العصابات ، وعلى طريقة المافيا : أسرة الملاكمة تدعوكم للإنضمام , أسرة الشطرنج , كرة القدم , السلة , تنس الطاولة , النحت , الرسم ...

لا يعرف لماذا ذكره هذا بـ سنوات المرحلة الإعدادية ، أيامها لم يكن يشعر بـ كل هذا البرود في الحياة ، كان كل شيء يُثير حماسته التي انطفأت الآن , فـ عندما يُشاهد رسوم عن كرة القدم .. يُقرر أنه سيُصبح أفضل لاعب في العالم ، وحين يرى رسوم عن الملاكمة يشعر بأن كرة القدم للأطفال .. وأن الملاكمة هي طريق الرجال وحلم حياته ، وإذا شاهد رسوم عن سباقات السيارات في الصحراء .. شعر أن حلبة الملاكمة ضيقة وسخيفة !

كانت الحماسة المشتعلة .. تجعل الأحلام كثيرة ، وعلى كثرتها لم يكن يتذكر منها شيء بعد مدة ، فقط ذاك الشعور بـ أن شيئاً ما سيحدث .. كان يُعطي للحياة دفئاً ..

أشياء كثيرة مرت بـ مخيلته , منها ذلك اليوم في المرحلة الإعدادية .. حين كانت المباريات بين الفصول في دوري الفصول تُقام في الإستراحة اليومية ، وكانت المدرسة صغيرة لـ درجة أن فناء المدرسة هو نفسه الملعب ، وقبل أن تبدأ الاستراحة بـ قليل عاقبه المعلم بـ سبب تسرعه للخرروج من الصف , بـ أنه لن يخرج منه إلا عندما يقوم بـ حل ثلاثة أسئلة كتبها له ، جعله هذا يزداد حماسة .. لأن هذا يعني أنه سيتأخر عن المباراة ، وحين يصل إلى رفاقه سيكونون مهزومين , وسيكون هو أملهم الأخير , وسيأتي لهم بـ النصر ، لكن مع الآسف لم تستطع حماسته أن تجعله يفعل أكثر من ركل الكرة بـ كل قوته لـ تُحطم باب مدخل الإدارة الزجاجي .. ومُنع من اللعب بقية العام ، ولـ سوء حظه .. لم يكن هناك نادي للملاكمة في مدرسته !

بعد اسبوع بدأت فعاليات حملة : لا للإدمان ، أخذوهم من قاعة المحاضرات بلا سابق إنذار لـ يتأكدوا من حصولهم على أكبر عدد من الطلاب ، واقتادوهم إلى المسرح ..

وزعوا عليهم اشياء سخيفة تتحدث عن اضرار التدخين .. ثم جاء كبير الجامعة لـ يتكلم !

أشاح بوجهه ووضع سدادة الأذن ، فلم يكن يُطيق رؤية وجهه أو سماع صوته ، وجهه بشع وأطلال أسنانه خليط بين الأصفر والأسود .. وصوته يأتي من بئر امتلئ بـ التبغ والكحول وكل أنواع الدخان المقيتة، والمصيبة أنه يتحدث عن الإدمان !


بـ الفعل كان رجل رائع يُثير الإعجاب – بعد الاشمئزاز طبعاً – فهو مثال للمثقف المحترم ، يستيقظ في الصباح لـ يأتي إلى الجامعة .. يجلس ساعتين في مكتبه ويُعطي بعدها محاضرة لن تتجاوز بـ أي حال ساعة ، ثم ينطلق لـ إلى غرزة ابن خلدون - محطة وقوده -، وفي المساء يظهر على القنوات الاخبارية .. لـ يُحدث الناس عن الإراهبيين أعداء السلام !












تعالى إليّ !




أنا النور إن بحثت عن الظلام
أنا الحياة متى أردت الموت







لن تشعر بـ الملل مادمت مع الشيطان , لكنك بـ التأكيد سـ تشعر بـ الندم !











" ... وبعد حوالي تسع دقائق , قامت أخته بـ قطع شريانها بـ سكين ستينز أمريكي الصنع ... "

ليس مُملاً أن تُتابع بـ إنتباه تقرير إخباري يتحدث عن جريمة انتحار .. حدثت في نفس البناية التي تسكنها ..



يوجد دائماً نوعان من أماكن التسلية , نوع تحصل منه على التسلية وتخسر في المقابل بعض من مالك , أو على الأرجح كل مالك ، ونوع آخر تحصل منه على التسلية والمال معاً ، لكن هذا النوع الأخير .. يؤهلك لأن تجد لـ نفسك مكاناً بين الطابور الخامس .. !

لكنه اعتاد أن يقول : لن تجد ما هو أفضل من تسلية تصنعها وتشارك فيها بـ نفسك !

لن يقول أي شيء بعد الآن , لكن الرصاصة التي صوبها إلى رأسه .. قالت الكثير ..


على التلفاز مشاهد لـ سيارة الاسعاف ، ورجال يحملون جثة ملفوفة داخل كيس كئيب المنظر :

" ... لـ سبب مجهول وقف أمام الشرفة , ووضع المسدس داخل فمه .. وأطلق على نفسه بـ مسدس كاتم للصوت مجهول الصنع ، وقد أثار المسدس فضول المحققين .. مما أعطى القضية بُعداً آخر ... " ..



كان كرو – كما كان يُفضل أن يُناديه أصدقائه – هو بوابته إلى العالم المظلم .. الذي طالما حلُم به ، سيارته سوداء .. ملابسه سوداء .. يضع كحل أسود , ويُحب شرب القهوة بدون سكر !


وعلى التلفاز تابع التقرير :

" ... جيرانه , كانوا يرونه مجرد شاب معتوه يقضي سهراته بـ رفقة مجموعة فاسدة من عبدة الشيطان على الأغلب ... "



كان يعرف أن منظر كرو يُغري الناس بـ سرد الإشاعات حوله , كان بـ إمكانه أن ينظر لأي شخص على أنه أغبى أو أقل منه , عدا كرو ، كان يراه أعظم من أن يُقارن نفسه به .. صحيح أنه لا يستطيع أن يُحدد كيف , لكن يعرف أن هذا فوق إدراكه ..

أراد دائماً أن يتبعه أينما ذهب , إلا أن وجود أخته بـ صحبته دائماً كان يمنعه من ذلك ، كانت دائماً كـ دمية بشعة المنظر : اللون الأحمر حول عينيها , وصبغة شعرها البنفسجية , والطلاء الأسود على أظافرها !



تابع التقرير :

" ... وفي سن السادسة عشر تركت دراستها الثانوية , بعد أن عانى أساتذتها وزملائها من صمتها الدائم .. حتى ظنوا بها الخرس " ...



صمتها الدائم , طاعتها لأخيها , تركها لـ دراستها وانعزالها .. كل هذا كان يجعلها شبيهة بـ بطلة فيلم غبية تنتهي حياتها بـ تقديم نفسها قرباناً للشيطان ..

بـ كل الأحوال كان يراها أغبى من تلك البطلة .. فلا مُبرر لما تفعله بـ نفسها , إلا أنها طريقة حياة تُشعرها بـ رضى زائف !


لم يُفكر مرة أن يسأل كرو عن أهله , كان يُفضل أن تبقى معرفته بـ غيره مقتصرة عليهم فقط ، فلا شيء في العالم اسوأ من الفضول ..
كل ما يعرفه أن جده كان قبل عشر سنوات .. وزيراً للدفاع ..


استمر التقرير :

" .. وبعد وفاة والده , تولى عمه إدارة الشركة ، ويتحدث عنه عمه بـ آسف قائلاً : كان عابثاً لا يصلح لـ شيء , وقد أفسد عقل شقيقته وحولها إلى معتوهة ، لا أشك أنها فعلت ما فعلت بـ سببه ! ... "



كانت أجمل أيامه , حين يصطحبه كرو إلى أوكيا ، وهو مطعم صغير على الطريق السريع .. صممه كرو بـ نفسه ، بداية من شكله الخارجي ونهاية بـ شكل أدوات الطعام والأكواب وكل شيء .. حتى ملابس العاملين به ، ولاختصار وصفه .. فأنت قد تراه مقراً للشيطان ، وبـ عينٍ أخرى منبعاً لإلهامك !


كان التقرير الآن يعرض صوراً لـ أوكيا قبل هدمه :

" ... وكان أغرب ما حواه المطعم , قبو صغير أسفل منه لم يذكر التحقيق شيئاً عنه ، غير أن بعض العاملين تحدث عن وجود مذبح بـ الأسفل ... " !



لم يستطع عقله أن ينفي شيئاً مما يسمع , حتى تلك المبالغات التي تحدثت عن عمليات تخدير للزبائن وذبحهم في الأسفل ، أو مطعم خاص بـ أكلة لحوم البشر ..



وفي لحظة كـ تلك , لا يستطيع إلا أن يتذكر آخر ما سمعه منه :



" بين الموت والحياة .. هناك حياة أخرى .. ربما هي لحظة لمن يراها سنوات لمن يُعايشها .. تلك اللحظة .. أتمنى لو أذهب إليها .. بـ رغبتي .. " !










بقيّ بعد هذا , جزء رابع أخير !






2 التعليقات:

غير معرف يقول...

بقي جزء واحد فقط !

بخيل >.>

ALMUT يقول...

لا يُهم قد أجعلها ثلاثة فيما بعد , لا أذكر من قبل أنني قلت شيئاً وفعلته ... !

إرسال تعليق