الأفـــق

نزيــف من الظلام









الفرصة التي لن يغتنمها أحد !







الطريق الذي نهايته هي بدايته ..




عندما انتهت الثورة قبل عامين , وعندما كانت دولة النظام السابق على وشك الإنهيار – وخلافاً لـ شعار اسقاط النظام – تم العمل فعلياً على تفعيل ذات النظام  لا اسقاطه , فالنظام السابق اعتمد على شكل الدولة الحديثة مع تعطيل الديموقراطية والحرية وكل ما من شأنه أن يُزعج  سادة النظام والمنتفعين  منه ، وعليه كان رفع الشعارات الإسلامية ووعود إقامة دولة إسلامية لم يكن سوى أوهام قرر متوهميها أن بالإمكان بناء دولة إسلامية على قواعد كفرية !

ثم كان الإصرار على العمل الإسلامي تحت ذات النظام القديم بعد أن تم تفعيله ، وبالتالي تحولت أي قضية إسلامية إلى قضية وطنية تبعاً لـ مقومات النظام الذي هو بالأساس قائم على المواطنة .. ثم في النهاية كان على كل حزب إسلامي يسعى لتطبيق شيء من الإسلام أن يغلفه أولاً بـ المصالح الوطنية والحقوق التاريخية , بدلاً من إحاطته بنصوص ملزمة من الشريعة !

من كل هذا أصبحت قضية الصراع رغماً عن الجميع قضية وطنية ، ولهذا السبب نجح أهل الكفر والنفاق في المجاهرة بعداوتهم للإسلام محتجين بأن العدواة إنما موجهة إلى خصوم سياسيين يُصرون على صبغ أفعالهم الوطنية بصبغة اسلامية مزيفة وأن الهجوم فقط على تلك الصبغة الزائفة !

أما الأحزاب الإسلامية فكانت مصرة على خطابها المزدوج ( خطاب رسمي (وطني)  -  خطاب شعبي  (إسلامي) ) ، وخطابها العام أن طريق التغيير الوحيد وإقامة دولة إسلامية لن يكون إلا عبر الطرق الشرعية متناسين أن تلك الطرق التي خطها الغرب الكافر ورسمها لهم ، لا يمكن بأي حال أن تؤدي إلى إقامة دولة اسلامية ، وأن أقصى ما يمكن أن تؤدي إليه تلك الطرق هو مجرد تجميل للدولة الطاغوتية ، وهذا التجميل وظيفته الوحيدة منع عامة الناس من النفور ومحاولة العمل على تغيير دولة الطاغوت القائمة على الكفر !

فلو فرضنا أن الدستور يحتوي على عبارة إسلامية مهما كانت براقة ومهما كانت محكمة في مدلولها فهي عبث بلا معنى ولا تعدوا في النهاية أن تخرج عن المعنى الآتي : الدولة الطاغوتية القائمة على الكفر هي دولة دينها الإسلام .. !!

ولمزيد من الإختصار فإن نجاح الأحزاب الإسلامية ليس إلا عملية تخدير لكل من أراد العمل على تطبيق الشرع وإقامة دولة إسلامية ..

وعليه فسقوط كل حزب يصف نفسه بالإسلامي ليس إلا خطوة على الطريق الصحيح مهما صاحب ذلك السقوط من آلام ..!








اللعبة التي يُراد إعادة  تشكيلها ..




تحدثتنا سابقاً عن الإختلاف بين القوى الصليبية والقوى الماسونية وما يسببه هذا الإختلاف من تغيير بين فترة وأخرى ، وأن القوى الماسونية التي لا تعتمد على القوة , عملت على صنع توازن يسمح للإخوان بالسير .. اعتمد على قوة سلفية وأخرى علمانية تطالب كل منهما بالمطالب المستحيل قبولها لدى كل طرف ..

فلو أرادت السلفية تطبيق الشريعة , ينحاز الإخوان إلى القوة العلمانية وإعطاء إعتراضتها ضبغة إسلامية بالحديث عن التدرج والمصالح والمفاسد ، وبالمثل حين تطالب العلمانية بحرية منفلتة من كل قيم ومعايير دينية , ينحاز الإخوان بشكل طبيعي إلى القوة السلفية وصبغ إعتراضتها الإسلامية بصبغة وطنية فبدلاً من الحديث عن حرمة الفعل يتم الحديث عن أخلاق المجتمع وما ترفضه كل الأديان ..

ثم استمرت اللعبة معتمدة على استحالة ميل السلفية إلى أي مطلب علماني وبالمثل بالنسبة للعلمانية , غير أن تغير موقف السلفية دفع بقايا النظام السابق إلى الإسراع بتوجيه ضربة حاسمة حين تهيأت له كل الظروف المناسبة : دعم عربي – ترحيب من الجيش – تحالف علماني استطاع أخذ ضمانات من القوى الصليبية بـ عدم تدخل القوى الماسونية ..  ( لاحظ الصراع داخل أمريكا لا يجعلها تحدد موقفها بشكل صريح ، كما أن تسرع الجيش وضعها في حالة الإضطرار بالقبول بالأمر الواقع ) !

ومهما كانت طريقة الحشد يوم 30 المهم أن الحشد تم فوق ما تصوره النظام السابق ( وهنا يمكن أن نؤكد أن كثير من عامة الناس شارك فعلاً بإرادته بسبب سوء الأوضاع ) ، ولأن الجيش حرص على ارضاء القوى الماسونية فقد منح الـ 48 ساعة ليثبت للخارج أن الإخوان لم تعد لهم تلك الشعبية التي تستحق أن يُدعموا لأجلها ( فمن الغباء على الإنقلاب أن يترك مهلة للطرق المنقلب عليه يرتب فيها أموره إلا لو كان مضطراً ) ، والحقيقة هنا ان الإخوان عجزوا خلال اليومين عن حشد نصف ما تم حشده خلال يوم 30 ، والمشكلة أن الرئيس الذي ظهر ليلقي خطاباً في تلك الفترة , لم يقل شيئاً تناسب مع ما صرحت به الرئاسة من أن بيان الجيش جاء منفرداً ، مما جعل الأمر يبدوا كأنه لعبة بين الرئاسة والجيش لامتصاص غضب الشارع ، فلا يعقل أن يعلم الرئيس بمؤامرة الجيش ضده ثم منحه مهلة 48 ساعة فلا يفعل شيئاً سوى خطاب لا يحوي أي قرار .. !

وفي ذات الوقت كانت الشرطة ( التي هي بؤرة النظام السابق ) تتحرك على الأرض بشكل عنيف مضاد لأي تحرك أو تجمع إخواني بحرق مقراتهم مما حجم من ردود أفعالهم .. كما أن استبعاد الإنقلاب واصرار السلفية الحزبية على تجاهل ما يحدث , شجع الجيش على التحرك ظناً منه أن الإخوان بلا تعاطف شعبي .. غير أنه أخطأ حين وضع رجل الكنيسة في مقدمة المشهد , ثم أخطأ مرة أخرى حين أغلق القنوات الإسلامية .. وكان ببساطة يمكنه أن يحتجز مقدمي البرامج المتعاطفين مع الإخوان ، ويترك شيوخ السلفية السعيدة تحدث الناس عن الجلوس في البيت واعتزال الفتنة وحرمة الدم إلى آخر ما يجيدونه ..

المهم أن ظهور التحالف الكنسي العلماني كأنه من يقود المشهد مع إغلاق القنوات الإسلامية , جعل صورة الإنقلاب كالآتي : تحالف علماني مدفوع من الكنيسة يدعمه الغرب الصليبي ويحميه الجيش .. مما يعني عودة أمن الدولة والإعتقالات !

وعلى الرغم من اقتراب تلك الصورة من الصحة إلا أن الجيش وإلى الآن يُريد إعادة صياغة اللعبة السابقة لكن بناءً على قواعده هو ( إعلانه الدستوري تجاهل التيار العلماني – رئاسة الحكومة تجاهلت التيار الإسلامي ) ..

والجيش باختصار يريد دولة يتحكم هو فيها, ويرأسها علماني بمشاركة إسلامية ، لكن القوة العلمانية مع النظام السابق تُصر على الدفع تجاه عودة النظام السابق بشكله القديم  وإعادة الأحزاب الإسلامية مرة أخرى إلى كونها أحزاب محظورة !

أما الإخوان فهم يميلون إلى تحويل المرحلة إلى مرحلة ( إما كل شيء أو لا شيء ) ،  يستغلون الإنفجاؤ الحادث وتوظيفه لعودة اللعبة إلى ما قبل الإنقلاب ، يُحاول الجيش أن يتفاهم مع الإخوان بناءً على قواعده الجديدة ، لكن الإخوان يصرون على الرفض .. فيضطر الجيش للضغط عن طريق الإعتقال ، ثم مذبحتة الأخيرة  لإحداث صدمة تدفع بالإخوان للتفاوض لكنها لسوء حظ الجيش زادت من الإنفجار .. وأعطت صورة مصغرة عما يمكن للنظام السابق أن يفعله في حالة عودته ثم استعادة قوته ..

وأياً كان ما سيحدث من الرجوع عن الإنقلاب أو التمادي فيه أو التوصل مع الإخوان إلى حل وسط ، فطالما أن البلد خالية من قيادات حقيقية يمكنها أن تستغل الإنفجار الحادث وتوجيهه في الإتجاه الصحيح .. نحو هدم دولة الطاغوت وبناء دولة إسلامية تطبق فيها الشريعة .. فلا معنى لكل ما يحدث ، فالجموع في الشارع على حسن نيتها ومع عدم رفعها شعارات ومطالب إسلامية صريحة لا يعدو ما تفعله مجرد تسول عطف الغرب بحديثهم عن الديموقراطية والشرعية المقدسة التي انقلب الجيش عليها !!






ثم كان الإنهيار الأهم ..



أخطأ حزب النور إلى الأبد في حق الأمة .. !

لكن خطأه الكبير في حق نفسه كان حين ساعد على الإطاحة بالإخوان فهو لن يكون بديلاً عنهم مهما فعل ، وإن فعل فلا شيء يضمن له أن نهايته لن تختلف عن نهاية الإخوان ..

إذاً فالنور بمساهمته الفاعلة في الإطاحة بالإخوان أطاح بنفسه دون أن يشعر , بعد أن تقرر أن لعبة الجيش الجديدة هي مشاركة إسلامية لا قيادة إسلامية .. بمعنى أن وهم إسلامية الدولة التي يتم خداع العامة  به ( حتى هذا الوهم ) لن يتمكنوا من تحقيقه !!

وعليه فلا معنى لمشاركتهم وتجميل الصورة التي أصبحت قبيحة جداً ، وسواء شاركوا أو لم يُشاركوا في الآتي فهم مقارنة بالإخوان الطرف الذي خسر أكثر ، لسيما بعد التعاطف الشعبي الذي حازه الإخوان ، والإشمئزاز الذي حظوا به من أتباعهم قبل أعدائهم ..!


أما السلفية السعيدة ككل ، فيكفي أن نسمع لأول مرة أتباعهم وهم يصفون رموزهم من السلفية السعيدة بمرجئة العصر ، وهو إعلان تفتت وانهيار  لا شك فيه ، يكفي أنهم أثبتوا أن لا شيء يرجى منهم ، وأن كل الأحداث الفارقة حين التي تواجه الأمة لا تجد لهم أثراً ولا رأياً ذا قيمة ، فلا يمكن لعالم عامل أن يختبئ في بيته ويصرح بكلمات مبهمة عن الفتنة التي يجب اعتزالها ، ونصح الجميع بالجلوس في البيت والصلاة !




ومهما كان ما حدث وسيحدث ، وحتى لو لم توجد تلك القيادة التي يمكنها أن توجه الجماهير المسلمة في الإتجاه الصحيح ، فيكفي أن السلفية السعيدة بقواعدها البغيضة قد انهارت .. ولم يعد هناك من يحجب طريق الجهاد عن عامة المسلمين ..

















28‏/02‏/2013

الربيع الأسود






الثورة المجعولة مباركة ! *











فَلتَسمَعُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ داعِيًا ــــــــــ  يَدعو إِلى الكَذّابِ أَو لِسَجاحِ

وَلتَشهَدُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ فِتنَةً ــــــــــ فيها يُباعُ الدينُ بَيعَ سَماحِ

يُفتى عَلى ذَهَبِ المُعِزِّ وَسَيفِهِ ــــــــــ وَهَوى النُفوسِ وَحِقدِها المِلحاحِ








.



في مقارنة بسيطة بين كل ثورة حدثت في مصر , وبـ حساب المكسب والخسارة .. لن تخرج إلا بـ نتيجة واحدة وهي أن أهل الإسلام من أصحاب المنهج هم الطرف الخاسر دائماً .. والسبب أن الثورة لا تُسمى ثورة إلا لو تحركت داخل المسار اليهودي !



الثورة العرابية ( التي شكلت أفكارها حركة مصر الفتاة السرية ) ، كانت أول من بدأ بـ نشر شعارات الوطنية والدولة المدنية والدستور , ثم إنتهت بـ سيطرة الإنجليز على مصر ..


 ثورة 19 إنتهت بـ المساواة بين المسلمين والنصارى ورفعت حثالة البشر من العلمانيين لـ يقودوا الشعب تحت دستور 23 ..


ثورة يوليو إستبدلت القومية بـ الإسلام وأنهت كل أحلام عودة الخلافة ، ووصمت كل أصحاب المنهج بـ الرجعية والتخلف ، ثم كانت عوناً لكل أعداء الإسلام ( الأسقف مكاريوس في قبرص وتيتو في يوغسلافيا وهيلاسيلاسي في الحبشة ونهرو في الهند , وغيرهم .. ) إثباتًا لـ معادتها لـ فكرة الخلافة قبل أي شيء ..



أما ثورتنا التي قرروا جعلها مباركة , فسيأتي الحديث عنها لاحقاً ..



بداية وحتى تستوعب كل التغييرات التي حدثت في القرنين الأخيرين ، لابد وأن تفرق بين القوة الماسونية التي تعمل على إعادة صياغة الإسلام وتفريغه من كل معانيه ، والقوى الصليبية التي تسعى لـ إستعباد المسلمين ونهب ثرواتهم أو محاولة تنصيرهم لـ تسهيل المهمتين السابقتين ..



مع ملاحظة أن القوة الماسونية التي يحركها أئمة اليهود, هي التي صاغت أفكار البشرية في عصرنا الحاضر لـ تتناسب مع الروح اليهودية , وانظر إلى الرابطة القومية التي تجمع بين أفراد الدين اليهودي ، وقيام كل الدول الحديثة على الرابطة القومية بدلاً من الدينية ، فتفرق العالم كله وتقسم , في مقابل توحُد اليهود !



بينما القوة الصليبية يحركها تحالف الرأسمالية الجشعة مع الكنيسة ، فالأولى تنفق على الغزو والثانية تضع مبرراً لكل الأعمال الوحشية التي سترتكبها جيوش الغزو !!

وكل من القوتين اتفقتا على أن الإسلام هو العدو الأكبر والأهم ، لكن طريقة التعامل معه تختلف لدى كل منهما ..



فـ القوة الصليبية .. تتحرك في اتجاه التنصير واستعباد ونهب الشعوب , عبر ثلاثة طرق :


التحكم عن بعد ( عن طريق الحكام العملاء ) في حالة عدم وجود أي قوة على الأرض تهدد عملائهم المتكفلين بـ مصالحهم ..

 التحكم عن قرب (عن طريق القواعد العسكرية) عند حاجة عملائهم إلى دعم مادي  أمام قوة أخرى تنافسهم وتهدد المصالح الصليبية ..

 التحكم المباشر ( عن طريق الإحتلال المباشر ) .. في حالة ضعف عملائهم أمام قوة أخرى أكبر منهم وترفض التعاون مع القوة الصليبية ..




أما القوة الماسونية فمشروعها يمر عبر مرحلتين :


الأولى : تطويع الإسلام لـ يتناسب مع كل المفاهيم الكفرية والتي تفرغ الإسلام من مضمونه ( ديمرقراطية , ليبرالية , شيوعية , وطنية , مدنية , سلام عالمي , المساواة بين الأديان المحرفة والإسلام) ، عن طريق فقهاء الماسون  والجيش الإعلامي ..

الثانية : صناعة الزعيم عن طريق ثورة أو إنقلاب ( والذي زعامته بالأساس تقوم على مفاهيم مثل الوطنية والديموقراطية وغيرها ) ، وهذا الزعيم الذي ستتبعه الجماهير بـ طريقة عمياء .. سيقوم هو بنفسه بـ فصل تلك المفاهيم عن الإسلام , ثم إزاحة الإسلام وإبقاء تلك المفاهيم على صورتها الأصلية !



الملاحظة الأهم هنا أن التعاون القائم بين المشروع الماسوني والصليبي , معناه أن كل ثورة أو إنقلاب لن يُسمح لها بـ أن تتم فضلاً عن أن تمتدحها القوة الصليبية , ما لم تكن قد تعهدت بـ حماية المصالح الصليبية .. بل وتقديم المزيد من التنازلات لها .. !



وأخيراً لماذا لم نصنف القوى على أنها يهودية وصليبية بدلاً من ماسونية وصليبية ، والسبب أن اليهود يتواجدون على كلا  الجانبين ، فهم الرأسمالية الجشعة المتحالفة مع الكنيسة ( مثال تمويل روتشيلد لـ حملة نابليون ) ، وهم أيضاً رؤوس الماسونية التي تحرك نخب الإفساد في كل بلدان العالم ..





.




نظرة على الثورة العرابية ..







وَكَم لِظَلامِ اللَيلِ عِندَكَ مِن يَدٍ تُخَبِّرُ أَنَّ المانَوِيَّةَ تَكذِبُ





.







" ...... تناوبتكم أيدي الرعاة ثم اليونان والرومان والفرس , ثم العرب والأكراد والمماليك , ثم الفرنسيس والعلويين ( أسرة محمد علي ) / وكلهم يشق جلودكم بـ مبضع نهمه ، وأنتم كـ الصخرة الملقاة في فلاة لا حس لكم ولا صوت , أنظروا إلى أهرام مصر وهياكل ممفيس وأثار طيبة ومشاهد سيوة وحصون دمياط , شاهدة بـ منعة أبائكم وعظمة أجدادكم ..."




(( إحدى منشورات الأفغاني التي كان يُحرض فيها الشعب على الثورة من كتاب " تاريخ الأستاذ الإمام " ))




حضر الأفغاني إلى مصر بـ دعوة من رياض باشا ( أصول يهودية وتوجه ماسوني ) ، وبدءا معاً في العمل على بث مفاهيم جديدة داخل الشعب المصري ( الثورة والديمقراطية والدستور والدولة المدنية ) .. وفي تلك الفترة كان بلنت هو المحرك الرئيسي للمشروع الماسوني في مصر ، ولما لم تجد منشورات وخطب الأفغاني صدى داخل الشعب المصري .. توجه بلنت إلى الجيش المصري ، وبدأ بـ تحريض عرابي على الثورة ..

فـ بدأت الثورة العرابية بـ رفع شعارات بسيطة لـ جذب ضباط الجيش ( تحسين أوضاع الضباط المصريين , والسماح لهم بـ شغل المناصب العليا في الجيش ) ، ثم إنتهت بـ مطالب عرابي ( الجمهورية – الديمقراطية – الدستور ) ، ولـ سوء حظ عرابي والشلة الماسونية المشبوهة من خلفه ( الأفغاني – محمد عبده - محمد شريف باشا - محمود سامي البارودي ) أن المشروع الصليبي رفض إستبدال عميله الخديوي توفيق , فعمل على إفشال الثورة ، وإدارة مصالحة عن طريق التحكم المباشر بدلاً من التحكم عن بعد ( بعد أن ثبت ضعف عميلهم الخديوي توفيق أمام قوة لن تحقق مصالحه) ، ثم القبض على قادة الثورة ومحاكمتهم ..


لاحظ هنا دفاع بلنت عن عرابي أثناء محاكمته , لتدرك الفارق بين المشروع الماسوني والمشروع الصليبي  !



وفي التفاصيل أحاديث مبهرة عن إحجام عرابي عن قتال الإنجليز وإرسال القادة الصغار بدلاً عنه , ثم هروبه هروب الأبطال دون أي قتال , بينما صديقه البارودي  ولـ سوء حظ مصر تاه ببقية الجيش ولم يتمكن من نجدة عرابي !


لذلك كانت النهاية السعيدة لـ قادة الثورة ( النفي ثم العودة مع تقرير أن الإنجليز أولياء أمور ! )، بدلاً من أن يعلقهم الإنجليز على المشانق كعادة المحتل مع من يُقاومه , ومع من قرر التاريخ أنهم قادة الثورة والمقاومة والوطنية وكل شيء ..  !



بهذا العرض المختصر  جداً للثورة العرابية ، يمكنك أن تحدد بسهولة القوة التي أوجدت التغيير ، وأن أي قوة أخرى صغيرة ( ضباط الجيش المصري مثلاً ) تتحرك بحثاً عن مصالحها تجد نفسها رغماً عنها جزء من لعبة أكبر منها , فلا يمكنها أن تتحرك إلا داخل الإطار المرسوم لها سلفاً بـ أن تختار إحدى القوتين لتتحالف معها كـ سبيل وحيد لـ تحقيق مصالحها .. !


رأينا هذا بـ كل وضوح في الثورة الأخيرة ، وكيف اتفق الجميع على عدم رفع أي شعار إسلامي حتى لا تفسد الثورة ، وهو إعتراف ضمني بـ إستحالة إحداث أي تغيير دون موافقة القوة الصليبية  ..


ولا يمكنك أبداً أبداً أن تتحدث عن خداعك للقوة الصليبية بـ مجارتها ثم الإنقلاب عليها ، لأن دخولك في لعبة الأقوى لا يعني إلا أن أرادتك بـ أكملها قد أصبحت بين يديه !




.




ثم تلتها ثورة 19 ..






نامَت نَواطيرُ مِصرٍ عَن ثَعالِبِها فَقَد بَشِمنَ وَما تَفنى العَناقيدُ




.






وهي الأكثر شبهاً بـ ثورة 25 ، لـ كون الغلبة فيها للجانب الشعبوي على الجانب النخبوي الماسوني ، الذي ثار على مظالم الإنجليز التي تضاعفت أثناء الحرب العالمية الأولى .. لكن القوة الماسونية استغلتها وصنعت من سعد زغلول زعيماً لها ( الزعيم العبقري الذي يمكنه طرد الإنجليز عن طريق جمع توقيعات المصريين , بدلاً من الثورة والجهاد ضدهم وهذه الأشياء المخيفة ! ) ، وعندما انتهت الثورة كانت  المزيد من المفاهيم الماسونية مثل ( الوحدة الوطنية – الحرية الفكرية – الحرية الشخصية – تحرير المرأة – فصل الدين عن الدولة – الفرعونية )  قد انتقلت من الجانب التنظيري إلى الجانب العملي ..



وكما كان بلنت هو المحرك الأول لـ ثورة عرابي , كان ليون كاسترو اليهودي ( مؤسس أول فرع للمنظمة الصهيونية في مصر ) هو أكبر مناصر لـ ثورة 19 ، حتى إن سعد زغلول استعان به كـ مترجم له أثناء تفاوضه على الإستقلال , بعد جهاده الفظيع في جمع التواقيع التي ستخرج الإنجليز من مصر !


ولا تنسى أن سعذ زغلول هو تلميذ للماسوني القديم محمد عبده والذي هو بدوره تلميذ للماسوني الأكبر منه المتأفغن !


وبعد وفاة سعد رثته الماسونية في جريدة المقطم بـ كلمات على غرار : فقدت الماسونية بفقد سعد الكبير العظيم الخالد عضواً كبيراً وفضلاَ كثيراً وذخراً وفيراً .... إلى آخر هذه الأشياء ..



الخلاصة أن الشعب المصري الذي أشعل ثورة 19 , وجد نفسه بين القوة الصليبية التي حاولت بـ أبشع الطرق إخماد ثورته ، والقوة الماسونية التي تلقفت ثورته وحركت رجالها لـ قيادة الثورة تحت مفهوم الوحدة الوطنية , وإيهام الشعب أن تلك الوحدة هي التي ستنصر ثورتهم على الإنجليز .. وفُرض على الثورة شعار الهلال أخو الصليب !



لاحظ أن الثورة كلما شارك فيها الشعب , كلما كانت نتائجها أسوأ وأعمق ، فمنذ ثورة 19 وإلى ثورة يوليو .. إستطاع الإتجاه العلماني أن يُسيطر على مصر ، ويُرسخ لكل المفاهيم الماسونية التي نُعاني منها إلى اليوم !



.







وبعدها ثورة يوليو ..








ألا لَيْتَ شعري هَلْ أقولُ قَصِيدَةً فَلا أشْتَكي فيها وَلا أتَعَتّبُ






.









" إذا فتح المفتاح الباب فهو المفتاح الصحيح .. "






وردت العبارة في كتاب حكومة العالم الخفية ، ثم تلاها بعد ذلك حديث عن البروتوكولات , وعن الجدل العقيم حول نسبتها لليهود أم لا .. فتطابقها مع أفعالهم , يُغني عن الجدل حول نسبتها لهم , فقراءة ما يفعله اليهود في الواقع .. هي نفسها قراءة للبروتوكولات !



نفس الشيء مع الإخوان ، فلا حاجة للجدال حول عناوين مثل :


حقيقة الإخوان ..

علاقة الإخوان بـ الماسونية ..

هل طقوس الإنضمام للإخوان هي نفسها طقوس الإنضمام للماسونية بـ طريقة إسلامية ؟!

العلاقة بين الإخوان المسلمين وإخوان الصفا ..



فقط عد لأفعالهم وأقوالهم , فإن وجدت تطابقاً بينها وبين الأهداف الماسونية .. فمن السهل أن تُسلم بـ أنهم الطرف التابع للقوة الماسونية في ثورة يوليو !



بداية فحركة الإخوان منذ نشأتها وإلى الآن .. ضمت الإسلامي والعلماني والنصراني ، ولا حاجة للتساؤل إن كان هناك نصراني أو علماني قد يعمل لأجل تطبيق الشريعة .. فالإخوان لديهم تفسير آخر للإسلام الذي  يتخذونه شعاراً لهم ، فعلى لسان أبو الفتوح ذكر أكثر من مرة , أن المرجعية الإسلامية لا يقصدون بها إلا .. الإسلام الحضاري !



ولأنها عبارة نوعاً ما غامضة , فأسهل طريقة لـ تفسيرها هي ما نُشاهده في أفعال الإخوان .. وهو صبغ كل ما يُخالف الإسلام بـ صبغة إسلامية .. فأنت هنا لا تتحدث عن أحكام الإسلام التي تحكم حياتك , بل حضارة إسلامية يجب أن تراها في كل ما حولك بغض النظر عن مخالفته للإسلام .. 


وهنا تكمن مشكلة الإخوان : فهم لا يسعون إلى تغيير الواقع بالإسلام , بل تغيير الإسلام لـ يتناسب مع الواقع .. وهو نفسه ( بالمصادفة , طبعاً لو أحسنت النيـة فيهم ) هدف الماسونية .. !


على سبيل المثال : مسرحية جميل وبثينة , التي كتبها شقيق حسن البنا ، ومثلتها فرقة  الإخوان المسرحية !


فبدلاً من نقد التمثيل وما فيه من إختلاط , يتم صبغ هذه الأشياء بـ صبغة إسلامية .. وإعتبار مسرحية كـ جميـل وبثينة نوع من الغيرة على الإسلام والعروبة بدلاً من تقديم أعمال الفرنجة كـ روميو وجوليت !

واقرأ بعض النصوص الواردة فيها :



لئن كان في حب الحبيب حبيبه

حدود لقد حلت علي حدود

إذا قلت: رد يا بثينة بعض عقلي أعش به

مع الناس قالت: ذاك منك بعيد





مثال آخر : في إعطاء الإشتراكية صبغة إسلامية , تجده في كتابي مصطفى السباعي والشيخ محمد الغزالي " الإسلام والاشتراكية " و"إشتراكية الإسلام " !



أما عن الشريعة , فلـ خالد الزعفراني ( قبل أن يترك الإخوان ) , كلام صريح في أن الإخوان لا يسعون لـ تطبيق الشريعة , لأن القوانين الوضعية في مصر أصلاً مستمدة من الشريعة !!


ولأن الشريعة مطبقة , فلا عجب أن نجد الشورى قد اصبحت هي نفسها الديمقراطية ، والذهاب إلى الإنتخابات شهادة يُسأل عنها المسلم ، والوطنية جزء من الولاء والبراء وعليها فالنصارى إخوة لنا ومشكلتنا مع اليهود إقتصادية ( صراع على قطعة أرض ) ، إلى آخر أقوالهم .. !


وهو صريح منهج حسن البنا حين قال : " ... وموقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر ففرقت القلوب وبلبلت الأفكار أن نزنها بميزان دعوتنا ، فما وافقها فمرحبا به وما خالفها فنحن براء منه ، ونحن مؤمنون بأن دعوتنا عامة لا تغادر جزءا صالحا من أية دعوة ألا ألمت به وأشارت إليه .. "




الخلاصة أن كل مفهوم ماسوني , تحول على يد الإخوان  إلى  مفهوم إسلامي .. وعليه فلا معنى  للتساؤل عن علاقة الإخوان بـ الماسونية , أو إعادة طرح كلام الشيخ محمد الغزالي عن ماسونية الهضيبي .. !



لكن فقط لا تنسى أن ( الضباط الأحرار ) , هم في الأصل تنظيم ( الجنود الأحرار ) الذين شكلهم الضابط محمود لبيب بـ أوامر من حسن البنا ، وطبعًا لا تنسى ملاحظة الشبه بين ( الجنود الأحرار ) و(البناؤون الاحرار ) .. !



ما أقصده من كل هذا , أن الإخوان هم من تحالف في الأصل مع القوة الماسونية ، وهي التي أعدتهم للقيام بالثورة ، ومرة أخرى لاتنسى و تخلط بين عمليات الإخوان في القناة ضد الإنجليز ( القوة الصليبية ) , وتحالفهم مع القوة الماسونية .. حتى لا تتيه في تفسيرك للأحداث ، فصناعة البطل ضرورة ماسونية قبل قيام أي ثورة .. ويمكنك أن ترجع إلى كلام التلمساني عن نبل الإخوان في كف أيديهم عن الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية , لتتأكد من صاحب الضوء الأخضر للعمليات البطولية ..




المهم أن حركة الإنقلاب تمت ( بتحالف القوة الماسونية مع لقوى الصليبية الجديدة التي انتقلت إليها القيادة .. أمريكا ) ، ثم اُعتبرت ثورة , ثم طمع عبد الناصر بها ( وهو الإخواني القديم الذي حصل على قائمة أسماء الضباط الإخوان وبدأ بـ التنسيق معهم ) ،  ثم أخيراً انقلب عليهم .. وقرر أنه هو الثورة .. !

ولا ننسى هنا حاييم ناحوم أفندي ( الحاخام الأكبر لليهود ) , والذي حضر إلى مصر  بعد أن شارك في إسقاط الخلافة وصياغة بنود معاهدة لوزان .. وكان يجمع التبرعات ويدعم ثورة يوليو .. الثورة الـتي اكتسبت شرعيتها بـ معاداة إسرائيل ( ولا تنسى أن الدعم أصلاً موجه للمشروع الماسوني الذي وجد ضالته في الإخوان ، وليس المشـروع الأتاتوركي الصغير الـذي فرضـه عبد الناصر ) !




نخرج من هنا أن عبد الناصر فرض نفسه بـ مشروعه القومي على القوة الماسونية والقوة الصليبية ..  إلى حد ما قبلت به القوة الصليبية مع بعض التمنع ..


 إلا أن القوة الماسونية لم ترضى عنه ، لسبب بسيط هو نفس سبب إنقلابها على مبارك وغيره ، وهو أن المشروع الماسوني  يهدف إلى تبديل الإسلام وليس إزاحته كما فعل عبد الناصر , لأن إزاحته تعني أن يعود يوماً ما بـ كل نقاءه ، أما تبديله فتعني نهايته إلى الأبد .. كما حدث مع النصرانية ..



لذا فالماسونية تحتاج بداية لـ من يُبدل الدين , ثم في مرحلة أخرى ستقبل بـ أشخاص مثل عبد الناصر يُزيح الدين عن الحياة ، لكن عبد الناصر محدود الذكاء .. كان يعرض نفسه بـ صورة مبتذلة .. معتقداً أن كل أحاديثه عن الرجعية والتخلف وتحرير المرأة , وتحالفه مع كل أعداء الإسلام قد يشفع له عند القوة الماسونية ، وهو ما لم يحدث .. فجاءت هزيمة 67 ، وهو الذي اعتقد أن القوة الصليبة ستتدخل في اللحظة الأخيرة .. !



لاحظ كيف أعاد التاريخ نفسه .. حين بدأ شفيق في إنتخابات الرئاسة يعرض نفسه بـ نفس الصورة المبتذلة ، من خلال كل أحاديثه عن عدم تطبيق الشريعة , وإضافة نصوص الإنجيل في المناهج , ورفضه لـ فكرة الخلافة , وتصريحه بعدم عداوتنا لليهود , وغيرها ..


وهو ولـ سوء حظ أصحاب النوايا الطيبة , ما فعله وسيفعله الرئيس الإخواني لاحقًا .. !



هل يمكنك الآن أن تفهم سبب إغلاق عبد الناصر للمحافل الماسونية ، وأن تفهم  الإسلامية التي هبطت على  السادات بعد ذلك .. ؟



خلاصة كلامي أن المشروع الماسوني الذي تراجع بعد ثورة يوليو .. بعد الضربة التي وجهها له عبد الناصر , قد عاد مرة أخرى بعد كل تلك العقود في ثورة جديدة , وبـ نفس الأبطال القدامى .. الإخوان .. !








.





وعن ثورة 25 المجعولة مباركة ..








إذا ضرَبتْ في الحرْبِ بالسّيفِ كَفُّهُ تَبَيَّنْتَ أنّ السّيفَ بالكَفّ يَضرِبُ






.








كأي ثورة , تخط لها القوة الماسونية مسارها , ثم تحرك القوة الصليبية لمناصرتها طمعاً في المزيد من المكاسب (  جورج سوروس وإعادة طرح الإخوان للقوة الصليبية ) ، وكتاب بهاء الأمير الأخير ( اليهود والماسون في ثورات العرب ) يغني عن التفصيل في تلك النقطة ..



بداية ,  لـ نأخذ الأمور بـ بساطة ، فـ كما أن النظام السابق فُرض علينا , فالثورة كذلك تم فرضها وتعظيمها وجعلها مباركة , لكن هذه المرة اختلف الأمر قليلاً .. لأن المباركة جاءت تطوعاً وممن يُفترض أن المنهج يعصمهم عن اتباع العاطفة والركض خلف العامة .. !


والمثير للسخرية أن إنجاز الثورة الوحيد بعد عامين , هو إثبات أن ما قبل الثورة هو أفضل من أي شيء بعد الثورة ، والإعتراف الضمني يأتي مع كل وزارة وحلمها بـ العودة إلى حال البلاد قبل الثورة ، لكن هذا لا يُهم كثيراً لأن المسار من قبل الثورة وبعدها اتجاهه واحد ، فقط المميز بعد الثورة أن أعداء هذا المسار .. اصبحوا هم من يقود المسيرة فيه .. !


في الأشهر الأولى بعد الثورة ولـ قرابة عام , كانت كل هزائم الثورة تبرر على طريقة مزرعة الحيوانات :


- الحيوانات بعد الثورة سعيدة وتحررت من جونز الذي كان يسرق طعامها وراحتها , وتنتظر أن تأكل أكثر وتعمل أقل ..

- الحيوانات بعد الثورة تعمل كثيراً جداً وتأكل أقل , و تشعر أن وضعها أسوأ بـ موت بعضها جوعاً ..

- سكويلر يذكرهم انهم أحرار وأن جونز الذي كان يسرق طعامهم لم يعد هنا ..

- الحيوانات متأكدة أنها أفضل لأن جونز لا يسرق طعامها بعد الآن ..




أما الآن فخدعة سكويلر لم تعد بذات التأثير ، وهو ما يبشر بـ بداية مرحلة التسليم بـ أي شيء !







.





الإخوان ولعبة الميزان ..







 




وَلَيْتَكَ تَرْعاني وَحَيرَانُ مُعرِضٌ فتَعْلَمَ أنّي من حُسامِكَ حَدّهُ





.









دائماً يُثيرون الإعجاب , فلو فشلت الثورة لقالوا : نحن لم نشارك رسمياً , لكن لم نستطع أن نمنع شبابنا ..


ولو نجحت الثورة لـ قالوا : نحن خدعنا النظام وأعلنا عدم مشاركتنا , لكننا على أرض الواقع كنا ضمن الصفوف الأولى للثورة , بل ونقودها أيضاً ..


أما الحديث عن انضمام الإخوان للثورة بعد ادراكهم لـ نجاحها , فهو مجرد سطحية في التفكير , لأن علينا أن نجزم أولاً أن الثورة نجحت يوم الخميس فاضطر الإخوان آسفين للمشاركة بكل قوتهم يوم الجمعة ، مع أن الحقيقة الواضحة جداً أن مشاركة الإخوان يوم الجمعة هي التي حولت المظاهرات إلى ثورة .. !


والمحطة الأهم في الثورة كانت معركة الأربعاء , التي انسحب قبلها مهرجي الأحزاب على طريقة : نحن لن نلعب إلا لو كانت الثورة برتقالية !


عموماً لا أعرف عن كُتّاب التاريخ , لكن من النادر أن يتحدث التاريخ عن بطولات في معركة سلاحها الحجارة !


المهم هنا هو انتشار شباب الإخوان بعد المعركة خارج الميدان وسيطرتهم على أسطح المباني المجاورة للميدان ، وهو ما أفزع الجيش وبدأت قيادته في التفاوض مع قادة الإخوان على انسحابهم إلى داخل الميدان مجدداً .. لدرجة أن أحد قيادات الجيش هدد بالتدخل واستعمال القوة في حالة إمتناعهم ..


والسبب هنا أن سيناريو الثورة هو استخدام الشعب أداة ضغط , ولم يكن مسموحاً له باتخاذ أي رد فعل عشوائي  نتيجة الحماسة  قد يفسد السيناريو ، وهذا يفسر فيما بعد تنحي مبارك المفاجئ بعد عناده ليلة الجمعة وإصراره على البقاء .. حينما بات من الصعب السيطرة على الجموع وحصرها في الميادين , حتى خطاب التنحي جاء مرتجلاً بلا تخطيط مسبق .. ( والله الموفق بـ فتح الفاء ) !




لكن الأهم هو الحديث عن ( التفكير المزدوج – الشيء ونقيضه في ذات الوقت - ) عند الإخوان ، فلو عدنا إلى محمد عبده لوجدناه من وجهة نظر بلنت في مذكراته لا يؤمن ( بالأديان ) ، ومن وجهة نظر كثير من المسلمين هو عالم دين مسلم ، فـ عملياً هو من قطع أكبر مسافة في عصرنا للتقريب بين الإسلام والعلمانية بـ إزاحة الإسلام تجاه العلمانية وليس العكس !!


وصحيح أن أهم من تفرع عنه : سعد زغلول في الإتجاه العلماني ، والشيخ رشيد رضا في الإتجاه الإسلامي ، لكن الحقيقة أن حامل أفكاره الحقيقي هو حسن البنا وفقط !

فسعد زغلول لم يُحاول ربط علمانيته بالإسلام ، وقبلها لم يفكر في أسلمة العلمانية .. بل أخذته فكرة أسلمة العلمانية كـ مبرر لعلمانيته ، ونفس شيء بـ طريقة عكسية حدثت مع الشيخ رشيد رضا والذي توقف حين عجز عن إحياء المعاني الإسلامية وتبديلها في ذات الوقت , كـ استنكاره ماسونية محمد عبده المرجو منه نصرة الدين بـ إنضمامه لـ جماعة تعادي الدين !




أما حسن البنا الوريث المخلص فالأمر عنده أكثر بساطة مع شخصيته العملية ، فإن كان لابد من جماعة ماسونية , فلتكن ماسونية إسلامية بدلاً من ماسونية الغرب  القبيحة ( على طريقة جميل وبثينة ) .. فكانت جماعة الإخوان  ..


وافهم من كلامي أن الإخوان جماعة ماسونية وفي الوقت نفسه ليست كذلك .. !



وميزة المنهج المزدوج عموماً هو أنك ببعض الدعم قد تتحول إلى ورقة تربح كل شيء ، مما يغري جداً بـ إستخدامك .. لكن الخطورة تكمن في حفظ التوازن الذي قد يُفسد عمل سنوات ، فبعد الثورة وحتى يسير الإخوان في اتجاه الهدف .. كان لابد من حفظ توازنهم بـ ميزان ( كفته الأولى سلفية همجية ) وكفته الثانية ( علمانية مقرفة ) .. فإن كنت علماني فالإخوان يقدمون دولة مدنية وإسلام حضاري ، وإن لم يعجبك فالبديل علمانية تتحدث باسم الكنيسة ..



وإن كنت سلفياً فهم ضحوا قبلك بـ نصف قرن ( فقط لأنهم يصرون على مصطلح صحوة السبعينات ) لـ تطبيق الشريعة , لذا فقط ثق بهم .. وإن لم يعجبك , فأنت تبحث عن مشروع إرهابي همجي , وتحلم بالسيارة المفخخة ,  وتكتب كلمة كافر بـ طريقة لاإرادية كلما أمسكت يدك بالقلم !




أما الشعب فلعبة التوازن لها تأثير كبير على زيادة رصيد الإخوان عنده ، فهو لو مال إلى العلمانية , سينفر من تحالفها مع الكنيسة ، وفي الوقت نفسه سيرى معانيها عند الإخوان ، ولو أراد تطبيق الإسلام سيرى سلفية عنيفة تقطع الأذن وتفعل أشياء مثل الأشياء التي يفعلها الناس في قندهار ( والناس في قندهار في لاوعي الشعب يفعلون أشياء مخيفة ) , وفي الوقت نفسه الإخوان يقدمون شريعة جميلة لا تقطع الأذن ولا تفعل الأشياء المخيفة !



صحيح ان هناك تغيرات تحدث من حين لآخر تهدد بـ فقد التوازن , لكن دائماً هناك شبح سلفي يتم تهديد العلمانيين به إن هم تمادوا في فكرة اسقاط الإخوان بـ تحالفهم مع الكنيسة وطرح أنفسهم مشروع بديل والجديد فيه أنه ( وسط بين العلمانية والكنيسة ) ، وهو طبعاً مشروع فاشل يهدد بالإنفجار وخروج القطيع عن السيطرة !



نفس الشيء يحدث مع السلفيين بـ شبح العلمانية الذي سيقبل الغرب به إن سقط الإخوان ، والذين ستتقسم البلد على أيديهم وينتشر الفساد وتحُارب الدعوة ..



لهذا مهما ازداد الضغط يسير الإخوان بـ ثبات , وتنبح العلمانية .. ويفكر التيار السلفي ملايين المرات قبل أن يأخذ رد فعل تجاه الإخوان !








.







العلمانية في خدمة الصليبية الوطنية ..









إذا لم تَنُطْ بي ضَيْعَةً أوْ وِلايَةً فَجُودُكَ يَكسُوني وَشُغلُكَ يسلبُ 







.








صحيح أنهم أقلية على مستوى القاعدة الشعبية , لكن حجمهم داخل مؤسسات الدولة كبير جداًَ , لدرجة أن كل تحركات الإخوان تظهر بـوضوح على أنها أخونة للدولة ( عشرات القطع البيضاء , تُحاول بصعوبة أن تضع بينها قطع سوداء متوهماً أن أحداً لن ينتبه ) ..

 وعندما سقط النظام الثلاثي السابق ( علماني – قومي – اسلام متنور ) ظهرت أوجه العلمانية الثلاثة بـ كل وضوح وهي تتحرك جماعياً بعد أن كانت تحاول أن تبدوا لـ سنوات أنها على إختلاف وصراع ( مثال القومي الذي ساند العلماني بعد أن كان يعتبره عميلاً – والإسلامي المتنور الذي يدعم ويساند حرية الكفر لدى القومي والعلماني .. إلى آخره ... ) ، فأثبتت أنها مجرد جماعات وظيفية تتحالف مع من يدفع , كـ قصة اليسار القديمة  الذي تحول بـ أكمله إلى يمين ( ضمن القوة الصليبية ) , أو إسلام وسطي ( ضمن القوة الماسونية )  !




ولأن المشروع الذي سيستمر في صعوده سواء بعد الثورة أو قبلها هو المشروع الصليبي الوطني ( نصارى مصر ) ، والذي لدوره الهام مستقبلاً لابد أن تتوازى مكاسبه مع الإخوان , حتى لو لم تكن مرئية تثير غضب الشعب ( لهذا اعتبروا المادة التي جعلتهم مؤسسة مستقلة عن الدولة في مقابل مادة الشريعة ، ثم استاءوا وغضبوا لأنهم لم يحصلوا على مادة مقابلة للمادة التفسيرية للشريعة فضغطوا من خلال المطالبة بـ إلغاءها ) ..

المهم أن الجماعة الوظيفية المسماة علمانية إنتقلت بـ كاملها إلى المشروع ( الصليبي الوطني ) كـ راية للعمل تحتها ، ونفهم أن تعظيم النصارى المبالغ فيه لديهم سببه ( إحترام من يدفع ) كـ أي كلب يخلص لمن يطعمه ..


 ومن الطبيعي أن نجد من استوعب اللعبة وبدأ يزايد في السخرية من الإسلام وتعظيم الكنيسة لـ يضمن لنفسه حصة من الغنيمة , والمدخل دائماً : إنهم يُكفرون النصارى .. لكن أنا رائع ولا أفعل هذا !




من المزهل فعلاً أن يكون منهجك في الحياة هو أسلمة النصارى وتكفير المسلمين .. المهم أنك أنت طبعاً لم تتنصر ..  !










.






عن السلفية التي كانت سعيدة ..








        أوَدُّ مِنَ الأيّامِ مَا لا تَوَدُّهُ وَأشكُو إلَيهَا بَيْنَنَا وَهْيَ جُنْدُه






.










على الأغلب كانت الحياة المستقبلية التي يتمناها أي شاب سلفي من النوع السعيد قبل الثورة  تتلخص في الآتي :


الدرس الاسبوعي .. الخطبة .. دار النشر .. القناة الفضائية ..

طلاب يدونون ما يتم تسجيله .. يتصارعون على تقبيل يده .. ملايين الاسئلة التي يعرف كل إجابتها ..


ولا بأس من بعض الأذى الذي عليه أن يتحمله في سبيل الدعوى , كـ جلسة الشاي في أمن الدولة والتي سيؤكد فيها أن لا رسائل تأتيه على غرار : هل الحاكم كافر , هل نذهب للجهاد في كذا .. ولو كثرت تلك الأسئلة فهو طبعاً مستعد بـ خطبة عن الخوارج ..

لكن من المؤكد أنه سيفضل أن يتم حبسه بضعة أيام أو أشهر لأنه لن يحبذ كثيراً  الحديث عن الخوارج .. خشية أن يتحول إلى جامي ..


أما ما سيفعله بـ كل حماسة وتطوعاً قبل جلسة الشاي , فهي الخطبة التي ستلي أي تفجير بغض النظر عن ( موقعه أو منفذه أو سببه ) ، فعليه ان يثبت سريعاً أنه أحد أعمدة الحفاظ على السلام العالمي ، وغالباً ستحتل تلك الخطبة صدر صفحته الرسمية .. وستبدأ بـ مقتطفات من الخطبة على طريقة : تـــش .. هذا ليس من الإسلام .. بـــوم .. هذا ليس من الجهاد .. دنــــن ( أو على الأغلب صليل سيوف ) أفيقوا أيها الشباب .. إلى آخر المقدمة ......


ثم هو لا شك سيتجاهل أن شجاعته اللامتناهية ينظر لها كل طواغيت الأرض بعين الرضى وقد يُكافأ بدرس اسبوعي اضافي في أحد المساجد خارج محافظته .. المهم أنه شجاع ويحارب البدع وينشر العلم الصحيح  ويحافظ على السلام ..




ولن يزعجه أحد باستثناء الجامية عميلة أمن الدولة التي تتحدث عن الطاغوت بأنه ولي أمر ، صحيح انه غالباً لن يطلق عليه اسم الطاغوت وسيعتبره حاكم لا يجوز الخروج عليه لأن الخروج فتنة ومفسدته أكبر من مصلحته وتهدد الدعوة المباركة ، ومع  أنه يستطيع اختصار كل هذا الكلام بـ أن يطلق عليه ولي أمر .. كون النتيجة واحدة , لكنه لن يتنازل عن منهجه أبداً .. !


وحتى لو ظهر أكبر زنادقة التاريخ وشتموا الإسلام وأحكامه وتبجحوا بأنهم يشهدون الشهادة , فلن يكفرهم أبداً مهما استفزوه لأن الهدف الأكبر هو الحفاظ على الدعوة ( ولن يتذاكى عليه احد ويسأله إن كانت الدعوة أهم من الإسلام ) ، وحين يتحمس بعض الشباب لـ تكفير أحد الزنادقه سيرد عليه في خطبة ( قبل جلسة شرب الشاي ) عن ضوابط التكفير وأن التكفير هو فقط للعلماء ( وهو طبعاً سيتجاهل أنه عالم .. وسيصف نفسه بكل تواضع أنه مجرد طالب علم ) ، ولو شابت لحيته سيعتبر التكفير من مهمة القضاء ( لن يتكلم عن ولي الأمر لأنه ليس جامي بكل تأكيد ) لأن التكفير يترتب عليه أحكام فقط السلطة القضائية يمكنها أن تنفذها ..


هو فعلاً مستقبل مشرق والحياة سعيدة .. !





لكن الصورة فجاة تبدلت , وحدثت الثورة .. وبعكس المتوقع من أصحاب المنهج , جرفتهم العاصفة وأثارت عواطفهم مشاهد المصلين في ميدان التحرير وخروج المعتقلين وزوال أمن الدولة .. فسارعوا إلى مباركة الثورة , وإقامة المؤتمرات التي حُرموا منها لعقود ..



ربما تحمس البعض للثورة من باب أن هناك قوة من الشعب ستحول تلك الطاقات إلى قوة تفرض سيطرتها على الدولة , لكن الإعلام بذكاءه فرض على الثورة كلمة سلمية فحرمها من السلاح الوحيد الذي يمكن أن تحقق به شيئاً , ولأنك سلمي ( لا تملك اي قوة ) فأنت ببساطة تحول نفسك إلى مجرد آداة ضغط في يد من يملك القوة لـ يتحكم بك ويملي هو شروطه ويضع المسار بنفسه ، المهم أن الثوار الأشاوس صدقوا أن السلمية هي عصا سحرية تجعل كل الأشياء الشريرة تختفي من تلقاء نفسها , والأشياء الجميلة تتحقق أيضاً دون جهد يزيد عن جهد الصراخ .. !




لكن السلفية السعيدة ( حسنة النية  ) لم تنتبه للفخ الذي سقطت فيه ..


والفخ كان كالتالي : الثورة مباركة .. والثوار قادوا معركة الشرف والبطولة .. وانتصر الخير على يد الأشاوس الذين هزموا كل الأعداء في ملحمة من أعظم ملاحم التاريخ ..

كل هذا جميل لكن يسهل تخيل أن كل شاب من السلفية السعيدة كان يسأل نفسه : وأين دوري .. ألست شاباً مثلهم .. لماذا لم أشارك في الملحمة العظيمة .. لماذا لا أستطيع أن افتخر بأنني صنعت ثورة مباركة لا مثيل لها في المجرة .. ؟!


والسؤال المرعب : لماذا بطريقة روتينية انتقد أغلب شيوخ السلفية السعيدة مظاهرات 25 قبل أن تبدأ , وأحد أشهرهم رد على سائله مشمئزاً بأنه يربأ به عن المشاركة في مثل هذه الأشياء ( وكان السائل يستفتي في الخروج بأهله يوم 25 لـ تكثير سواد المسلمين ) .. ؟!



والإجابة السلفية جاءت كالآتي : لو علمنا أنها ستنجح لشاركنا .. لو عدنا بالزمن لكنا أول المشاركين .. ليس المهم أن تهدم فالبناء لا يقل عنه أهمية .. المهم أن الدعوة لم يعد هناك ما يعوقها والبطولة الحقيقية قد بدات الآن ..



لكن الإعلام كان يضغط : الثورة العظيمة .. الشباب الذكي النقي الأبي .. إلى آخر السجع , مما جعل بعض الشيوخ يتحدث صراحة عن الدعوة التي لم تشارك في صنع الأحداث , وأنها تعيش خارج التاريخ وأن عليها أن تواجه نفسها ..



فلم يكن من الكيان السلفي الأكبر إلا أن قرر توجيه طاقة الشباب من نقد النفس إلى الإنشغال بـ البناء والذي تمثل في أخونة أكبر كيانات السلفية بعد أن تحول إلى حزب ( وإن ادعى أن الحزب مجرد ذراع سياسي ) لأنه فعلياً انفصل بنفسه في كيان شبيه بـ الإخوان ( لاحظ  هنا أن كل نقد يوجه للحزب يتم الرد عليه بالحديث عن تاريخ الدعوة لـ تدرك أن الدعوة نفسها تحزبت )، وكل المبررات التي قدموها لتبرير الحزبية والعمل الديمقراطي هو إعادة ما سبقهم به الإخوان منذ عقود , ولكن بصورة أكثر احترافية ..




وبـ تحزب الجزء الأكبر من السلفية , سقط أصحاب المنهج في الفخ , نتيجة الضغط الإعلامي الذي كان يهدد قاعدتهم الشعبية بالإنصراف عنهم .. لكن أصل المشكلة يرجع في البداية إلى مباركتهم للثورة دون تأني , فكان الأسهل عليهم حتى لا يصطدموا بالتيار الإعتراف بـ خطئهم بعدم مشاركتهم في الثورة , وعدم الإعتراف بـ خطأ مباركة الثورة ، ولا ننسى أن القيادة والظهور الإعلامي والتصريح الذي تتسابق الصحف على نشره ,  والشعور بالقدرة على الوصول لأعلى المناصب ودخول مجالس الآلهة ( الشعب والشورة ) كلها عوامل تجعل الثورة مباركة جداً ..


على العموم لا داعي للحماسة وإعتبار أن هذه الأشياء إنجازات للدعوة وأنها عوامل حفظ وجودها من الإخوان الذين يحقدون عليها أكثر من مبارك والعادلي .. لأنه وبغض النظر عن التفاصيل الكثيرة جداً , فإن النتائج التي حققتها السلفية كلها إلى الآن هي : صفر كبير جداً ..


ولا تنسى النتائج السالبة كمجلس الشعب ودعم حملة أبو الفتوح , وهم الذين ينفقون من تبرعات المتحمسين من أصحاب النوايا الحسنة !


كما لا تحدثني عن بعض القوانين الشريرة التي كان الإخوان على وشك تمريرها لولا أو وقفت لهم السلفية السعيدة , لأن القوانين في بلادنا لا قيمة لها , ولو أردت أن تفعل أي شيء بالقانون فالقوانين الموجودة أصلاً تكفي وتزيد مع بذل بعض الجهد الصغير في تفسيرها ، ومحاولات الإخوان ليست سوى طريقة إضافية لـ كسب بعض النقاط الإيجابية لدى القوة الماسونية التي تدعمهم  لا أكثر ..




وبعيداً عن كل هذا كان تحزب الجانب الأكبر للسلفية السعيدة فرصة تاريخية لأعداءهم من الجامية للنيل منهم ، والعلاقة بين الجامية والسلفية السعيدة تتلخص في الصراع على ثلاثة رموز ( وهي عند الجميع معصومة بطريقة غير مباشرة ) من دونها تسقط الجامية وتفقد مبرر وجودها , والصراع يتم على طريقة : إنه لي .. بل لي أنا ..


لكن الكبار يفعلوها هكذا : لو عاصر ( الشيخ الرمز  ) ما تفعلوه لـ تبرأ منكم ومن ديموقراطيتكم الوثنية , أهذه هي السلفية ؟؟

بل ( الشيخ الرمز ) لديه اقوال هنا وهناك بتجميعها ستصلح كـ فتوى تجيز لنا ما نفعل ..



أما ما يُهمنا من هذا الصراع أن كل طرف في الحقيقة هو مرآة للآخر يرى فيه عيوبه ..

فالجامية هي استغراق في قواعد السلفية السعيدة التي وضعتها ( زائدة عن المنهج ) لـ تتناسب مع عدم رغبتهم تقديم أي نوع من التضحية وإفساد سعادتهم .. لذا فالسلفية السعيدة ترى كل عيوبها على حقيقتها فتشمئز منها ، وتحاول تبرئة نفسها بالهجوم على الجامية .. !



أما السلفية السعيدة فهي مضطرة أحياناً لـ مخالفة القواعد ( الزائدة عن المنهج ) بطريقة مبسطة , والتي هي في الأصل لا تتناسب مع المنهج الذي يحملوه  ( كوصف الحاكم بالطاغوت أحياناً أو التلميح بكفره ) ،  وهو ما يجعل الجامية تعتبرهم مجرد مدعين لا يستطيعون الثبات على المنهج .. وهم بلا مواربة مجرد مبتدعة تدعي السلفية .. !

وللإختصار : تحولت قواعد السلفية الزائد عن المنهج ( بذاتها ) إلى معيار للإنتماء السلفي .. 



وعلى مستوى الشباب , فالشاب الجامي يحدثك بـ فخر عن شيوخه الثابتين كالجبال , ولاتهزهم فتنة كـ تلك المسماة ثورة ..


أما الشاب السلفي السعيد فسيحدثك بكبرياء عن شيوخه الديموقراطيين وأنهم السد المنيع والوحيد في وجه ميوعة الإخوان في الدين وهجمات العلمانيين والنصارى ضد الإسلام , ولولاهم لتم تنحية البقية الباقية من الإسلام عن الدولة ..





والحقيقة أن الجميع يعيشون في الوهم , وأن الإخوان فقط هم من يسيرون بثبات نحو الهدف المرسوم لهم ، وكلما قررت السلفية السعيدة أن تنقلب على الإخوان بتذاكي .. تكتشف أنها صغيرة وأن ذكائها أقل مما تستطيعه فتعود مرة أخرى إلى الإخوان ( دعم أبو الفتوح ضد مرشح الإخوان كـ مثال ) ..



وهي دائماً تخرج خاسرة على المستوى السياسي والإجتماعي , إجتماعياً فقدت الكثير من تاثيرها وبات يُنظر لها كـ حزب يبحث عن مصلحته ( بعد أن يعتبر مصلحته طبعاً هي مصلحة الإسلام ) .. كـ مثال قولهم بأنهم لن يدعموا الشيخ حازم حتى لا تتفتت أصوات التيار الإسلامي , ولمصلحة الإسلام يجب أن يقفوا إلى جانب الإخوان حتى لو كان مرشحهم ليس على المستوى المطلوب , ثم بعد خروج الشيخ حازم , اصبح الإخوان فجأة أشرار سيبتلعون الدولة , ويجب ان تكون السلفية السعيدة قوية أمامهم حتى تجبرهم على إحترامها , لأن الإخوان حين يتمكنون فهم يحملون الشيخ السلفي حملاً  من داخل المسجد ويلقون به خارجه ، ولأنهم السد المنيع فلن يسمحوا للإخوان بأن يسيطروا على الدولة .. !



والنتيجة الكارثية كانت أن الجانب الديموقراطي للسلفية السعيدة أضعف حتى من التيار العلماني والتيار الفلولي !




أما لماذا دائماً الحديث عن أخطاء السلفية وتجاهل أخطاء الإخوان , وهو ما يشعر السلفية السعيدة بالظلم ، فالسبب ان الإخوان لا أمل منهم .. والكلام عن أخطاءهم مجرد مضيعة للوقت , والأولى تصنيفهم صراحة مع أعداء الأمة .. أما السلفية السعيدة وبصفتها حاملة منهج .. فكان يرجى منها الكثير , لكنها أصرت على السير في طريق التأخون ..







.




                                                                                                                                                                                                                                              خلاصة القول ..






طالما بقيّ التيار العلماني ضمن اللعبة الديموقراطية تحت سيطرة أموال الكنيسة , كلما سهل التحكم في السلفية الديموقراطية .. وإجبارها على الوقوف مع الإخوان ، ولو حاولت السلفية أن تدفع الإخوان .. فستجد نفسها مهددة بالخروج من اللعبة على اعتبار أن البديل العلماني الذي لن يرضى الغرب إلا به سيدفعها بدورها إلى مربع ( عصر عبد الناصر ) ..


وطالما بقي التيار السلفي داخل حلبة الديمقراطية , كلما سهل إرغام العلمانيين على عدم التمادي في عرض أنفسهم على القوة الصليبية كـ بديل عن مشروع الماسونية , لأن الشعب لن يرضى بعد الإخوان إلا بالبديل السلفي .. مما يهددهم بتطبيق حد الردة ضمن حدود تطبيق الشريعة التي تسعى لها السلفية ..



والمعنى أن بديل الإخوان لن يكون إلاحل استثنائي يأتي على يد العسكر ( الأداة الفاعلة بيد القوة الصليبية ) بعد حالة الصدام العشوائي المتوقعه , وان يخرج الجميع مهزوماً ..

ولأن كل طرف من الأطراف يعرف دوره , فالضغط العلماني المدفوع من الكنيسة .. لا هدف له سوى فرض كوتة لكل فصيل تخلص العلمانية وحليفتها الكنيسة من فضيحة كل انتخابات والتي أقلها كشف مواقع تمركز النصارى وحجمهم في كل محافظة ..






وأخيراً فالمرجو من السلفية السعيدة ( لسيما جانبها الديموقراطي ) أن تستمر في سيرها نحو طريق تفتتها , مما نأمل منه أن يسمح بـ ظهور كيان سلفي حقيقي يتخلص من قواعد السلفية السعيدة الزائدة عن المنهج .. !











ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(*) لـ سبب أن هناك من أراد العمل على الفكرة أولاً , ثم عدل عن رأيه فقد تصادفك بعض الكلمات هنا أو هناك ..