الأفـــق

نزيــف من الظلام

21‏/02‏/2009

نيرابو الثورة





لا شيء في العالم قد يٌفسد حياتك , أكثر من وقت فراغ يُجبرك على النظر حولك ، تخيل أن لديك وقت لـ تقرأ جريدة تتكلم عن انجازات ديتون في إحلال الأمن والسلام في الضفة ! ، أو تستمع لـ هيكل وهو يُحدثك عن تسريحة شعر ماتيلدا كريم , والإختلاف بين صورتها وهي في الثلاثين وصورتها في الخمسين ، ومسئولية صورتها الأولى عن هزيمة 67 !!

أو تصطدم بـ موقع يتحدث عن بوش الفاتح العظيم ، وآخرما وصلت إليه فتوحاته في آخر عهده ، وإن كنت محظوظاً فقد تطلع على إيميل احتلال العراق .. الذي أرسله الرب له قبل أكثر من خمس سنوات , كما اتطلع عليه شيراك قبلك !

قبل فترة عُرض وثائقي يتحدث عن سيد قطب ، لم أتابعه من بدايته , لكن لفت انتباهي تعليق لـ روبرت آرون .. يتساءل كيف تحول سيد قطب من صحفي متحرر يُعادي مصطفى الصادق الرافعي ، ويؤيد أفكار طه حسين والعقاد , إلى مُفكر إسلامي متُشدد مُعادي للأفكار الغريبة – بـ حسب وصف آرون - ..

في الوثائقي تم اعتبار هذا التحول سر مُحير وغير مفهوم , طبعاً لو قرأ مُعد الفيلم ما كتبه سيد قطب نفسه , أو أي من كتابات من شهدوا تلك الفترة .. لما كان في الأمر أي لغز , أو فتح باب تساؤلات مجهولة يُغري عشاق نظريات المؤامرة لـ صياغة بعض الأفكار العبقرية !!

كما حدث مع أذكار محمد عطا .. حين تساءلت إحدى البرامج الوثائقية , عن كيفية نجاة تلك الأذكار مع أن الطائرة كلها احترقت ، وكانت مدخلاً رائعاً لـ مئات الفرضيات التآمرية ، بينما كل ما حدث أن حقيبته تخلفت في مطار بوسطن لا أكثر !

أو ما قالوه عن الأربعة آلاف يهودي , الذين تم إبلاغهم بـ ضرب برجي التجارة قبل أن يُضربا ، وعليك أن تُصدق أن هناك مؤامرة سرية تُدبر في الخفاء ، وفي الوقت نفسه يعلم بها أربعة آلاف يهودي , وبوسيلة اتصال تضمن عدم تسرب أي معلومة ، ناهيك عن الأربعة آلاف يهودي الذين سيكتمون السر .. ولن تعلم الأرض به كلها بعد ساعة على الأقل .. ذكرني هذا بـ نكته يهودية تقول : " إذا أردت نشر سر .. فما عليك إلا أن تُخبره لـ يهودي " ..

يحكي سيد قطب نفسه عن سبب تحول أفكاره مما يُسمى الحداثة والتطور إلى الإسلام ، فكانت بداية صحوته حين حاولت المخابرات البريطانية تجنيده للعمل معها أثناء بعثته في جامعة كلورادو , وأقنعته أن هذا التعاون هو لـ نهضة مصر وتطورها ، عن طريق كتابة مقالات تُهاجم الإخوان وفكرهم الرجعي الذي قد يُعيد مصر للعصور الوسطى .. بعد أن بدأت النهوض أخيراً – بـ زعمهم طبعاً - ، وأن من واجبه حماية مصر من تلك الأفكار الرجعية والمتخلفة !

رافق هذا الموقف , إحتفال أمريكا بـ مقتل حسن البنا – عدو النصرانية في الشرق – كما كان يوصف في الغرب !!

عاد بعدها سيد قطب إلى مصر , والتحق بـ الإخوان ، ثم تحمس للثورة على اعتبار أنها المنقذ للإسلام ، لكن الثورة التي قامت على أكتاف الإخوان ، لم تلبث أن أصبحت هي القوة التي تضرب الإسلام .. على اعتبار أنه العدو الذي يُهدد سلطتها ، وكان سيد قطب على رأس القائمة ..

فأطيحت بـ رأس نيرابو الثورة .. على يد روبسبير السلطة !!

يُصر الغرب اليوم في تناوله للحركات الإسلامية , إعتبار سيد قطب هو الأب الروحي لـ كل الجماعات الإسلامية المسلحة ، أو كما ذهب البعض إلى اعتباره منبع الإرهاب – كما يصفه المحافظين الجددد - ..

لكن خطورة سيد قطب في عصره .. هو اكتساحه لكل الأفكار الليبرالية في فترة الخمسينات ، وتقديم منهج اسلامي متكامل لـ نهضة الأمة .. يُعالج أغلب الأزمات التي تعترض الإسلام ، مما تسبب في صدامه مع الجميع خصوصاً عبد الناصر الذي كان يرى .. أن الإسلام هو السبب الأهم للتخلف والرجعية .. مما دفعه لإلغاء المحاكم الشرعية فيما بعد ، وقد احتفظ بـ سر العلاقة بين المحاكم الشرعية والتخلف لـ نفسه !!

لـ هيكل على الجزيرة عبارة شهيرة تتكرر كثيراً , يدعي فيها أن من حق أمريكا تأمين مصالحها في المنطقة .. وأن المشكلة في الأنظمة التي لا تُحاول الدفاع عن مصالحها ..

بغض النظر عن سخافة المنطق الذي لو طبقناه .. لإعتبرنا أن من حق المجرم أن يسرق ويقتل من يُريد لـ يؤمن مصالحة الشخصية ، وأن المشكلة هي مشكلة الضعفاء .. الغير قادرين على حماية أنفسهم , لـ تصعد أفكار نيتشة مرة أخرى بـ جوار مكيافيلي !

فـ مشكلة الليبرالية أنها مستعدة لـ قبول وترديد أي أفكار ، طالما أنها ليست إسلامية .. فلم يجد السادات فيما بعد مشكلة كبيرة في التصريح أن حرب اكتوبر هي آخر الحروب مع اليهود ، وأن المستقبل هو للسلام ..

لا مشكلة طالما أن الفكر السائد هو اعتبار عدائية اليهود للإسلام , وحرب المسلمين لليهود .. مجرد خرافات قديمة انتهى عصرها ولم يعد لها مكان ، طالما أن الحقوق يُمكن إعادتها بـ السلام .. وهو ما حدث فعلاً , بدليل أن من شروط عودة سيناء لـ مصر .. هو أن تكون تحت الإحتلال الإسرائيلي !

ويمكنك بعدها أن تنبهر بـ عبقرية جورج أورويل , بـ حديثه عن التفكير المزدوج !!

قبل عام تقريباً حكى لي أحدهم , عن أحد الطلاب في جامعتنا قبل أكثر من خمس سنوات .. كتب مقالة في مجلة معمارية بـ عنوان " السخف المعماري " ..

سخر فيها من العبقري اليهودي ليبسكيند , وهاجم فيها فلسفته في تصميم المتحف اليهودي في برلين .. وأنها ترسيخ سافر لـ أساطير المحرقة اليهودية ، ثم استطرد قليلاً في الواقع وتحدث عن سيناء التي يُمنع المصريين من تعميرها ..


بعد أشهر قليلة رسب صديقنا في إمتحان التصميم , بينما فاز ليبسكيند بـ إختياره لـ إعادة تصميم موقع برج التجارة العالمي
!



0 التعليقات:

إرسال تعليق