الأفـــق

نزيــف من الظلام







سقطت أشعة الشمس على تمثال الملك ( فيجيتا السادس عشر ) الموضوع خلف رجل البار .. فبدا كأنه الملك ( رمسيس الثاني ) في معبده يوم تتويجه !




" غداً تُحاكم وتُعدم "




ارتجف وهو ينظر للتمثال .. لم يكن يعي تماماً ما حوله ، استحوذت الكلمات على كل تفكيره ..


غداً سيموت .. فماذا يُريد بعد هذا !


لم يكن واثقاً إن كان في مقهى أو حانة ، أو حتى إن كان ما يشربه سايدر أو عصير تفاح !

غداً سـ يُعدم .. لأن فيجيتا قرر أن مزاجه سـ يسوء غداً !!



كانوا يُنادونه ( كارم ) ..

في طفولته .. تمنى لو كان اسمه ( كايبا ) ، وأن يكون باستطاعته دمج التنين الأبيض أزرق العينن مع صغير التنين .. لـ يحصل على وحشه الأسطوري ( التنين الأبيض صغير العينين ) !



يمكنه اليوم أن يعترف بـ غباءه .. أن يلعن عقله ..
ذلك العقل الغبي الذي تخلى عن كل ما في الحياة .. لـ يتمسك بـ حلم سخيف لا معنى له ولا هدف !




لكن حتى الأحلام السخيفة قد يكون لها معنى .. إن كان سـ يُعدم غداً !!








يقول بدر :


" لا اشعر بالراحة عندما أكون هنا .. أظن أنني أحاول الهروب من شئ ما ..
لا أعرف ما هو بالضبط .. لذا قررت أن أشد الرحال .. " !





اسمه بدر .. لكنه لم يُحب رؤية القمر يوماً، بالأحرى .. كان يكره السماء بـ كل أشكالها ..


الشروق .. بارد ورتيب

الغروب .. مُخيف وكئيب

الليل .. وحش أسود يبتلع العالم !


لم يكن يعرف إن كان قد دخل حانة أو مقهى ، أو حتى إن كان ما يشربه جين أو عصير عنب ..




تألق تمثال الملك ( فيجيتا السادس عشر ) بـ ضوء الشمس الساقط عليه ، فبدا وكأنه ( أبوللو ) يقود كهنته ..





" غداً تًحاكم وتُعدم "




لا يبدوا أن شيئاً ما قادر على أن يُنسيه ما ينتظره غداً ..


غداً سـ يُعدم لأن فيجيتا قرر أن يكون بطلاً !!

اليوم ينظر إلى جمال القمر .. وروعة الشروق .. وسحر الغروب ..
ليدرك كم كان أحمق !


أحمق حين أعتقد أنه أعلى من الجميع ، وأن مكانه ليس بينهم .. وأن كل ما يُعجبهم سخيف وتافه ، وأن ما سيعجبه هو موجود في مكان ما .. لأجله وحده !





لكن ما فائدة الغرور .. إن كان سـ يُعدم غداً !!








منذ طفولتها وهي تتساءل عن شعور الملكة ( آن بولين ) وهي تنتظر اعدامها داخل برج لندن !




لمع تمثال الملك ( فيجيتا السادس عشر ) حين استقرت عليه أشعة الشمس ، فبدا كأنه ( آرتميس ) في احدى رحلات صيدها !





" غداً تُحاكم وتُعدم "





الآن تلعن نفسها في كل لحظة .. لأنها رضيت أن تكون زوجة ملك ، كانت تعرف من البداية أن هذا سيحدث .. وإلا لما تأثرت بـ آن بولين إلى هذا الحد في طفولتها !

للآسف .. أدركت متأخرة أنها كانت ترى مصيرها !!




غداً ستُعدم .. لأن فيجيتا العظيم سيضحي بـ زوجته لأجل شعبه !

جعلها الرعب تسير بـ غير وعي ..فـ لم تعرف إن كانت قد دخلت مقهى أو حانة ، أو حتى إن كان الموضوع أمامها كوب ماء أو مارتيني !



شعرت بالندم لأنها لم تتقرب من الشعب ، فلو كشفت عن وجهها الآن لـ قتلوها قبل إعدامها .. بدلاً من أن يُفدوها بـ حياتهم ..



كانت تعرف أنها ستندم في النهاية ، لكنها اعتقدت أن ندمها سيكون على فراش الموت ، وليس أمام المقصلة !



حاولت أن تتماسك كـما يليق بـ ملكة .. لن تموت ( لميس ) إلا وهي مرفوعة الرأس ، أو على الأقل مرفوع قليلاً ..

ورغم كل شيء سيتحقق حلمها .. وتتعرف على شعور آن بولين ..






لكن ما فائدة تحقيق الحلم .. إن كانت ستُعدم بعده !!





غدأ تنتقل وراثة الملك من الأبن الأكبر (مالك) لأخوه للأصغر !


لم يكن هذا يُهمه على الإطلاق ..


حاول أن يفهم إن كان قد دخل مقهى أو حانة ، أو حتى إن كان الموضوع أمامه ساكي أو ينسون ..




أضاء تمثال الملك فيجيتا وشعاع من الشمس يقف على جبينه ، فبدا كأنه ( جانكيز خان ) بوجهه الغاضب !






" غدا تُحاكم وتُعدم "





كان يحلم بـ أن يكون رسام وشاعر وكاتب ومُخرج ومُحامي وساحر .. كان يشعر أن هذا من حقه طالما أنه ابن الملك ( فيجيتا السادس عشر ) !


غداً سيُعدم .. لأن فيجيتا لن يكون ظالماً ويحرم ابنه الكبير من وراثة الملك !

فليذهب كل العالم إلى الجحيم ..


لكنه لا يجب أن يذهب قبل أن يرسم كل الأرض ..

ويفتخر ويصف ويمدح ويهجو ويرثي في شعره ..

ويكتب قصصاُ عن مصاصي الدماء .. والكهنة الأشرار .. والأرض بعد الإبادة .. وغزو الفضاء .. والعلماء المجانين .. والأبطال الخارقين ..

ويُخرج سبع أفلام كل فيلم بـ إضاءة مختلفة من ألوان الطيف ..

ويُنقذ متهم بريئ من تسع جرائم قتل تسلسلية ..

ويُخرج أرنب من قبعته ، ويقطع المرأة التي تجلس داخل الصندوق بالمنشار ..





لكن ..
مع الآسف .. لا قيمة للإسراف في الأحلام طالما سيُعدم غداً ..





نقلاً عن احدى الصحف :




" .. ويقول ( مقداد ) أحد العاملين في المتحف ، بأنهم في الصباح .. عثروا على الجثث الأربعة ، وكل منها جالس على كرسي .. ورأسه مفصولة أمامه على الطاولة ..


.. كل الجثث بلا هوية .. لم يتعرف أحد عليها .. لا تفسير لـ كيفية دخولهم المتحف ..


.. في السابق كان المتحف غرفة إعدام يستخدمها الملك ( فيجيتا السادس عشر ) مع المقربين منه ، ومُلحق بها حانة كان يستضيف فيها ضحاياه ليلة اعدامهم !



.. كان اسمه ( فريد ) ، لكنه اختار ( فيجيتا السادس عشر ) بعد توليه الملك ، قالوا لأن الإسم كان يُشعره بـ القوة .. وبـ أنه قادر على فعل أي شيء .. لكن مصيره لم يختلف عن مصير ( لويس السادس عشر ) ، وضاق الشعب بـ جرائمة .. فثار عليه .. وتم اعدامه في نفس الغرفة ..







انتهى العمل الليلة .. وبدأ المتحف بـ إغلاق أبوابه ..

شعر ( مقداد ) بـ رغبة ملحة في القاء نظرة على الحانة ، جلس على إحدى الطاولات ..


تخيل نفسه سيموت غداً .. تذكر صلاة العصر التي دائماً يضيعها ، تذكر دفتر الأعمال الخيرية الذي لم يفتحه منذ سنوات .. القرآن الذي أقسم على حفظه .. ونسيّ بعدها ما كان يحفظه قبلها ، ليلة القدر التي يعلم يقيناً أنه لم يُدركها قط ، صلاة الجمعة التي يسبقه دائماً إمامها على المنبر ، أقاربه الذين لم يعد يتذكر أشكالهم ، الإستغفار .. الذكر ، صيام الإثنين والخميس ..



شعر بـ جسده يرتجف وهو يفكر ..




سقط شعاع من ضوء القمر على وجه تمثال الملك ( فيجيتا السادس عشر ) الموضوع خلف تمثال رجل البار ، فبدا كأنه الشيطان يضحك !




منعه الخوف من الوقوف .. بينما يتردد الصوت داخل عقله :




" لا وقت .. غداً تُعدم وتموت "







0 التعليقات:

إرسال تعليق